وفي حديث الرضا عن أبيه الكاظم عن أبيه الصادق عليهمالسلام في جواب مساءلة اليهود : «أنّ الجنّ كانوا يسترقون السمع قبل مبعث النبيّ صلىاللهعليهوآله فمنعت من أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم وبطلان [عمل] الكهنة والسحرة». (١)
وهكذا حاول الشيخ الطنطاوي تأويل ظواهر التعابير الواردة في هذه الآيات إلى إرادة التمثيل ، قال ـ ما ملخّصه ـ : إنّ العلوم التي عرفها الناس تراد لأمرين : إمّا لمعرفة الحقائق لإكمال العقول ، أو لنظام المعايش والصناعات لتربية الجسم. وإلى الأول أشار بقوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً). (٢) وإلى الثاني قوله : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ). (٣) وكلّ من خالف هاتين الطريقتين فهو على أحد حالين : إمّا أن يريد ابتزاز أموال الناس بالاستعلاء بلا فائدة ، وإمّا أن يريد الصيت والشهرة وكسب الجاه. وكلاهما لا نفع في علمه ولا فضل له. فمن طلب العلم أو أكثر في الذكر ليكون عالة على الامّة فهو داخل في نوع الشيطان الرجيم ، مرجوم مبعد عن إدراك الحقائق ومعذّب بالذّل والهوان ، وهذا مثال قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) (فلا يعرفون حقائق الأشياء) (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً) بما ركّب فيهم من الشهوات وما ابتلوا من العاهات (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) أي في أمل متواصل ملازم لهم مدى الحياة. فلو حاول أن يخطف خطفة من الحقائق حالت دون بلوغه لها الأميال الباطلة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ). (٤)
نعم (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ). (٥) ولا شكّ أنّها كناية عن حرمانهم العناية الربّانية المفاضة من ملكوت أعلى. الأمر الذي أنعم به الرّبانيّون في هذه الحياة : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ). (٦) فملائكة الرحمة تهبط إليهم وهم في مواضعهم آمنون مستقرّون سائرون في طريقهم صعدا إلى قمّة الكمال.
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٢٢٦ عن قرب الإسناد للحميري ، ص ١٣٣.
(٢) الحجر ١٥ : ١٦.
(٣) الأعراف ٧ : ١٠ ، الحجر ١٥ : ٢٠.
(٤) الصافّات ٣٧ : ٦ ـ ١٠. راجع : تفسير الجواهر ، ج ٨ ، ص ١٣ ، وج ١٨ ، ص ١٠.
(٥) الأعراف ٧ : ٤٠.
(٦) فصّلت ٤١ : ٣٠.