ولكن مع ذلك نراهم ينسبون الإدراك والشعور وكذا صفات النفس ـ ممّا للشعور فيه حظّ ـ إلى القلب المراد به الروح الساطية على البدن والمدبّرة له ، كما ينسبونها إلى النفس بمعنى الذات. فلا فرق بين أن يقال : هواك قلبي أو هوتك نفسي. فاطلق القلب واريد به النفس ، باعتبار كونه مبدأ جميع الإدراكات (العقلية) والصفات (النفسيّة). وفي القرآن الشيء الكثير من ذلك : قال تعالى : (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (١) (يَضِيقُ صَدْرُكَ). (٢) (بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ). (٣) (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). (٤) إلى غيرها من آيات. (٥)
(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها)
قال تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها). (٦)
أفهل تتكلّم النمل؟ وكيف يستمع سليمان إلى كلامها؟!
والنملة وكذا سائر الحشرات ليس لها صوت وإنّما تتبادل أخبارها وتتفاهم بعضها مع بعض عن طريقة إشعاع أمواج لاسلكية ، وهكذا تتلقّى الأخبار وكذا عن طريقة الشمّ ، ممّا لا صلة له بالكلام الصوتي.
لكن العمدة أنّ للحيوانات برمّتها منطقا أي طريقة خاصّة للتفاهم مع بعضها ، سواء أكان ذلك عن طريقة إيجاد أصوات خاصة كما في الدوابّ والطيور أم بطريقة اخرى (إشعاع أمواج لا لاسلكية) كما في الحشرات ، الأمر الذي يمكن الوقوف عليه بطريقة ما ، وبالفعل قد عرف شيء من منطق البهائم وحتّى بعض الحيتان في البحار. ولا يستحيل في قدرة الله تعالى أن يعلّم نبيّه منطق الطير وسائر الحيوان. يقول تعالى ـ حكاية عن سليمان ـ : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ). (٧)
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٢٥.
(٢) الحجر ١٥ : ٩٧.
(٣) الأحزاب ٣٣ : ١٠.
(٤) المائدة ٥ : ٧.
(٥) تفسير الميزان ، ج ٢ ، ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
(٦) النمل ٢٧ : ١٨ و ١٩.
(٧) النمل ٢٧ : ١٦.