وعليه ، فالزوجان في الآية لعلّه اريد بهما الصنفان المتماثلان أو المتقابلان ـ كما فهمه المفسّرون القدامى ـ فلا موضع فيها للاعتراض كما زعمه الزاعم.
وهكذا على التفسير الآخر ، قال به بعض القدامى ، قالوا بالتركيب المزدوج في ذوات الأشياء حسبما قرّرته الفلسفة : إنّ كلّ شيء متركّب في ماهيّته من جوهر وعرض وفي وجوده من مادّة وصورة ، وهكذا.
قال الراغب ـ في قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ). (١) وقوله : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ)(٢) ـ : تنبيه أنّ الأشياء كلّها مركّبة من جوهر وعرض ومادّة وصورة ، وأن لا شيء يتعرّى من تركيب يقتضي كونه مصنوعا وأنّه لا بدّ له من صانع ، تنبيها أنّه تعالى هو الفرد.
وقوله : (خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ، بيّن أنّ كلّ ما في العالم زوج من حيث أنّ له ضدّا أو مثلا أو تركيبا ما ، بل لا ينفكّ بوجه من تركيب. قال : وإنّما ذكر هاهنا زوجين تنبيها أنّ الشيء وإن لم يكن له ضدّ ولا مثل فإنّه لا ينفكّ من تركيب جوهر وعرض ، وذلك زوجان. (٣)
ثانيا : فلنفرض إرادة اللقاح الجنسي بين ذكر وانثى في عامّة الأشياء ، كما فهمه المتأخّرون ، وليكون ذلك دليلا على الإعجاز العلمي في القرآن ، فلا دليل على عدم الاطّراد حسبما زعمه المعترض. فإنّ اللقاح التناسلي ظاهرة طبيعية مطّردة في عامّة الأحياء نباتها وحيوانها وحتّى الديدان والحيوانات الأوّلية بصورة عامّة على ما أثبته علم الأحياء.
قال المراغي ـ في قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)(٤) ـ : أي وجعل فيها من كلّ أصناف الثمرات زوجين اثنين ذكرا وانثى حين تكوّنها. فقد أثبت العلم حديثا أنّ الشجر والزرع لا يولّدان الثمر والحبّ إلّا من اثنين ذكر وانثى. وعضو التذكير قد يكون في شجرة وعضو التأنيث في شجرة اخرى كالنخل ، وما كان العضوان فيه في شجرة واحدة ، إمّا أن يكونا معا في زهرة واحدة كالقطن ، وإمّا أن يكون كلّ منهما في زهرة
__________________
(١) يس ٣٦ : ٣٦.
(٢) الذاريات ٥١ : ٤٩.
(٣) المفردات ، ص ٢١٦.
(٤) الرعد ١٣ : ٣.