وكذا قالوا في قوله تعالى : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ). (١)
الجواب : إنّ القرآن نزل على لسان العرب ، وفيه حذف وإيماء ، ووحي وإشارة. فقوله : (أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) فيه حذف ، كأنّه قال : أنا النذير المبين عذابا ، مثل ما أنزل على المقتسمين. فحذف العذاب ، إذ كان الإنذار يدلّ عليه. كقوله في موضع : (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ). (٢)
وأمّا قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) فإنّ المسلمين يوم بدر اختلفوا في الأنفال ، وجادل كثير منهم رسول الله صلىاللهعليهوآله فيما فعله في الأنفال. فأنزل الله سبحانه : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (يجعلها لمن يشاء) (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) (أي فرقوها بينكم على السواء) (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) (فيما بعد) (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). (٣)
ثم يصف المؤمنين ، وبعده يقول : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ). يعني : إنّ كراهتهم الآن في الغنائم ككراهتهم يوم ذاك في الخروج معك.
وأمّا قوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. كَما أَرْسَلْنا ...) ، فإنّه أراد : ولأتمّ نعمتي عليكم كإرسالي فيكم رسولا أنعمت به عليكم يبيّن لكم ... (٤)
* * *
سألوا عن قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ). (٥) وهم لم يقولوا بذلك؟!
الجواب : إنّها نسبة تشريفيّة تفخيما لمقامهما وتعظيما لشأنهما لديه تعالى. فإذ كان العبد منعما بتربية صالحة ومورد عناية بالغة منه تعالى شاع في الأوائل نسبة بنوّته له سبحانه ، كما هي العادة عند العرب في المتربّي تربية صالحة نسبته إلى المربّي نسبة الولد إلى والده الكريم.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٥٠ و ١٥١.
(٢) فصّلت ٤١ : ١٣.
(٣) الأنفال ٨ : ١.
(٤) الخرائج والجرائح ، ج ٣ ، ص ١٠١٠ ـ ١٠١٣ بتصرّف وتوضيح.
(٥) التوبة ٩ : ٣٠.