على أنّه لا
حجّية في مزاعم اناس ـ مهما كانوا ـ ما لم تقع موضع قبول عامّة المسلمين فضلا عن
رفضهم إيّاها ، كما وقع بالفعل.
قال ابن قتيبة
: وأمّا نقصان مصحف عبد الله بحذفه «أمّ الكتاب» و «المعوّذتين» ، وزيادة «ابيّ»
بسورتي القنوت ، فإنّا لا نقول : إنّ عبد الله وابيّا أصابا ، وأخطأ المهاجرون
والأنصار. ولكن عبد الله ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أنّ المعوّذتين كانتا كالعوذة
والرقية وغيرهما ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يعوّذ بهما الحسن والحسين ، كما كان يعوذ ب «أعوذ بكلمات الله التامّة».
فظنّ أنّهما
ليستا من القرآن. وأقام على ظنّه وعلى مخالفة الصحابة جميعا ، كما في مواضع اخر
خالف فيها جميع الأصحاب.
وإلى نحو هذا
ذهب ابيّ في دعاء القنوت ، لأنّه رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله يدعو به في الصلاة دعاء دائما ، فظنّ أنّه من القرآن ،
وأقام على ظنّه وعلى مخالفة الصحابة.
قال : وأمّا «فاتحة
الكتاب» فإنّي أشكّ فيما روي عن عبد الله من تركه إثباتها في مصحفه ، فإن كان هذا
محفوظا فليس يجوز لمسلم أن يظنّ به الجهل بأنّها من القرآن. وكيف يظنّ به ذلك وهو
من أشدّ الصحابة عناية بالقرآن؟!
ولكنّه ذهب
فيما يظنّ أهل النظر ، إلى أنّ القرآن إنّما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشكّ
والنسيان والزيادة والنقصان. ورأى ذلك لا يجوز على سورة الحمد لقصرها ولأنّها تثنى
في كلّ صلاة. ولا يجوز لأحد من المسلمين ترك تعلّمها وحفظها.
قال سيّدنا
الاستاذ طاب ثراه : إنّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات ، لأنّ الاختلاف في
خصوصيات حادثة تاريخية ـ كالهجرة مثلا ـ لا ينافي تواتر نفس الحادثة. على أنّ
الواصل إلينا بتوسّط القرّاء إنّما هو خصوصيات قراءاتهم ، وأمّا أصل القرآن فهو
واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين وبنقل الخلف عن السلف وتحفّظهم عليه في الصدور
__________________