يتقدّم القوم ليرد الماء ويسقي لهم. قوله : (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) أي ساقيهم من الماء المورود. قال : ويقال لكلّ من يرد الماء وارد ، وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها). (١) ومنه : ورد ماء كذا أي حضره. (٢)
وفي أمثال العرب : «أن ترد الماء بماء أكيس». (٣) أي من الكياسة والاحتياط أن يكون وارد الماء مستصحبا معه شيئا من الماء ، ولعلّه يرد الماء فلا يجده.
قال زهير ـ شاعر الجاهلية ـ :
فلمّا وردن الماء زرقا جمامه |
|
وضعن عصىّ الحاضر المتخيّم (٤) |
أراد : فلمّا بلغن الماء أقمن عليه.
قال الزّجاج : والحجّة القاطعة على أنّهم لا يدخلونها هي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها). (٥)
وللطبرسي هنا كلام مذيّل ونقل آراء ، اقتصرنا على الأرجح منها ، فليراجع. (٦)
ولابن شهرآشوب توجيه لطيف بإرجاع ضمير الخطاب إلى منكري الحشر على طريقة الالتفات. (٧)
فتبارك الله أحسن الخالقين
جاء التعبير بأنّه تعالى أحسن الخالقين في موضعين من القرآن (٨) ممّا يشيء بأنّ هناك خالقين سوى الله ليكون هو أحسنهم!! في حين أنّه تعالى ينفي بكلّ شدّة أن يكون خالق غيره إطلاقا وأنّه خالق كلّ شيء ولا خالق سواه ، فما وجه التوفيق؟
__________________
(١) مريم ١٩ : ٧١.
(٢) المصدر.
(٣) مجمع الأمثال للميداني ، ج ١ ، ص ٣٢ ، رقم ١٢٩.
(٤) هذا البيت من معلّقته المشهورة. يقول : فلمّا بلغت الضغائن الماء وقد اشتدّ صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض عزمن على الإقامة فوضعن العصيّ وعمدن إلى نصب الخيام كما في المتحضّر. والزرقة : شدّة الصفاء. والجمام : جمع جمّ الماء وجمّته. ووضع العصيّ كناية عن الإقامة ، لأنّ المسافر إذا عزم على الإقامة بمكان وضع عصاه. والتخيّم : نصب الخيام. (شرح المعلّقات السبع للزوزني ، ص ٧٧)
(٥) الأنبياء ٢١ : ١٠١ و ١٠٢.
(٦) مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٥٢٥ ـ ٥٢٦.
(٧) متشابهات القرآن لابن شهرآشوب ، ج ٢ ، ص ١٠٧.
(٨) المؤمنون ٢٣ : ١٤ ؛ والصّافّات ٣٧ : ١٢٥.