فكما أنّ
الآيتين (السابقة واللاحقة) استعاذة بالله من مكايد أهل الزيغ والإفساد ، كذلك هذه
الآية (النفّاثات في العقد) هي مكايد يرتكبها أهل النمائم لإيقاع الأذى. شبّهوا
بالسّاحرات ينفثن في العقد.
فالاستعاذة
منهم جميعا إلى الله المستعان لإحباط مساعيهم وردّ مكائدهم في نحورهم ، وهو الملجأ
والمعين.
قال سيّد قطب :
والنفّاثات في العقد : السواحر الساعيات بالأذى عن طريق خداع الحواسّ ، وخداع
الأعصاب ، والإيحاء إلى النفوس والتأثير في المشاعر. وهنّ يعقدن العقد في نحو خيط
أو منديل وينفثن فيها كتقليد من تقاليد السحر والإيحاء. قال : والسحر لا يغيّر من
طبيعة الأشياء ، ولا ينشئ حقيقة جديدة لها. ولكنّه يخيّل للحواسّ والمشاعر بما
يريده الساحر.
قال شيخ
الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدسسره : ولا يجوز أن يكون النبيّ صلىاللهعليهوآله سحر ، على ما رواه القصّاص الجهّال ، لأنّ من يوصف
بأنّه مسحور فقد خبل عقله ، وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله : (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً).
وهكذا قال
العلّامة الطبرسي في تفسيره للسورة عند الكلام عن شأن النزول.
وقال الاستاذ
محمّد عبده : قد رووا هنا أحاديث في أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سحره لبيد بن الأعصم ، وأثّر سحره فيه حتّى كان يخيّل
إليه أنّه يفعل الشيء وهو لا يفعله ، أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه. وأنّ الله أنبأه
بذلك ، واخرجت موادّ السحر من بئر ، وعوفي ممّا كان نزل به من ذلك ونزلت هذه
السورة!
ولا يخفى أنّ
تأثير السحر في نفسه عليه الصلاة والسلام ماسّ بالعقل آخذ بالروح. فهو ممّا يصدّق
قول المشركين فيه : (إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً).
والذي يجب
علينا اعتقاده أنّ القرآن المتواتر جاء بنفي السحر عنه عليه الصلاة
__________________