والسلام ، حيث نسب القول بإثبات حصوله له إلى المشركين ووبّخهم على ذلك.
والحديث ـ على فرض صحّته ـ من أحاديث الآحاد التي لا يؤخذ بها في العقائد ، وعصمة الأنبياء عقيدة لا يؤخذ فيها إلّا باليقين.
على أنّ سورة الفلق مكّية نزلت بمكة في السنين الاولى ، وما يزعمونه من السحر إنّما وقع في المدينة في السنين الأخيرة حيث اشتدّ العداء بين اليهود والمسلمين فهذا ممّا يضعف الاحتجاج بالحديث ويضعف التسليم بصحّته. (١)
قال سيّد قطب : هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ ، ولا تستقيم مع الاعتقاد بأنّ كلّ فعل من أفعاله صلىاللهعليهوآله وكلّ قول من أقواله سنّة وشريعة. كما أنّها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول صلىاللهعليهوآله أنّه مسحور ، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدّعونه من هذا الإفك. ومن ثمّ نستبعد هذه الروايات ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة ، والمرجع هو القرآن. والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في اصول الاعتقاد ، وهذه الروايات ليست من المتواتر ، فضلا عن أنّ نزول هاتين السورتين في مكّة هو الراجح ، ممّا يوهن أساس الروايات الاخرى. (٢)
وقد استوفينا الكلام حول مزعومة سحر النبيّ صلىاللهعليهوآله وتنفيد رواياته بصورة مستوعبة ، فراجع. (٣)
ظواهر روحيّة غريبة
إنّه ما يزال مشاهدا في كلّ وقت أنّ بعض الناس يملكون خصائص لم يكشف العلم عن حقيقتها بعد. لقد سمّي بعضها بأسماء من غير أن يحدّد كنهها ولا معرفة طرقها. هذه ظاهرة «التيليپاثي» ـ التخاطر من بعيد ـ ما هو؟ وكيف يتمّ؟ كيف يملك إنسان أن يتلقّى فكرة من إنسان آخر على أبعاد وفواصل لا رابط بينهما سوى هذا الاتّصال الروحي
__________________
(١) ملخّص كلامه على ما جاء في تفسير المراغي ، ج ١٠ ، ص ٢٦٨ ؛ وراجع : تفسير جزء عمّ لمحمّد عبده ، ص ١٨١ ـ ١٨٣.
(٢) في ظلال القرآن ، المجلّد ٨ ، ص ٧١٠ ، ج ٣٠ ، ص ٢٩٢.
(٣) في الجزء الاول من التمهيد.