ارتياض بلغت هذا المقام؟ قال : بمخالفة النفس ، لقد دأبت أن اخالف كلّ ما تشتهيه نفسي وتهواه. قال له الشيخ : هذا عمل جسيم ، ولكن هل عرضت على نفسك الإسلام؟ ـ وكان الرجل من براهمة الهند ـ قال : لا. قال له الشيخ : أعرضه على نفسك ثم انظر هل توافقك عليه أم تخالفك؟ فعرض الرجل الإسلام على نفسه وأبدى أنّ نفسه ترفضه! فقال له الشيخ : إذن خالف هوى نفسك ، على دأبك القديم! فقبل الرجل واعتنق الإسلام. وعندئذ سأله الشيخ عن شيء أخفاه في كفّه ، فلم يستطع الرجل أن يخبر عنه وزال عنه علمه بالغيب وتعجّب الرجل من ذلك! قال له الشيخ : لا تعجب ، إنّك كنت على أمر عظيم ، وحيث لم يكن لك نصيب في العقبى جازاك الله بطرف من عنايته عليك في هذه الحياة. فلمّا أسلمت ادّخر الله لك ذلك مثوبة عظمى في الآخرة.
ولبراهمة الهند المرتاضين قضايا عجيبة وتصرّفات خارقة تعود إلى مقدرتهم النفسية الفائقة ، الحاصلة على أثر ترك الملاذّ وتحمّل المشاقّ ، فمنحوا شيئا من إمكان التصرّفات الخارقة مقتنعين بذلك تمام الاقتناع ، حيث لا خلاق لهم في الآخرة.
جاء في مذكّرات مرافق الملك جورج السادس عاهل الحكومة البريطانية في سفرته إلى الهند أيّام الاحتلال مشاهد عجيبة بهذا الشأن. يقول : وقف القطار في إحدى المحطّات لخزن الماء ، فنزل الملك وجعل يتمشّى وإذا بمرتاض قابع في ناحية وجده في غاية الوساخة فنصحه أن يهتمّ بنظافة جسمه وثيابه وحاول مساعدته ، وإذا بالمرتاض اغتاظ لذلك ولم يجبه بشيء. فانصرف الملك وركب القطار ، وإذا بالقطار لا يتحرّك. فقام المهندسون بالفحص من غير أن يجدوا فيه نقصا. وكان مع الملك ضبّاط هنود. ورأوا المرتاض القابع في زاوية ، فسألوا الملك : هل قال للمرتاض شيئا يغيظه؟ فأفصح الملك بما دار بينه وبين المرتاض من غير أن يسيء إليه بكلام أو غيره. قال الضباط : لعلّه سخط عليك وحسبه تجاسرا عليه وهو الذي أوقف القطار. فجاء الملك واستماح من المرتاض واعتذر منه لو غاظه كلامه. فرفع المرتاض رأسه ـ يبدو في وجهه الرضا ـ وأشار إلى القطار فتحرّك لساعته.