وعليه جاء قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ). (١) أي مغبرة ومنقبضة من هول المطّلع في مقابلة وجوه الصالحين المسفرة المنبسطة.
يقول تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ. أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ). (٢)
فالوجوه المسفرة هي الوجوه المتفتّحة المشرقة المضيئة ، لأنّها ضاحكة مستبشرة ، حيث سرورها وبهجتها بما تعاينه من ثواب ربّها.
ووجوه عليها غبرة (غبرة الظلام) على أثر كآبة الهمّ وهول المطّلع. ترهقها قترة (انقباض وتقطيب) وهذا تفسير لغبرة الوجه ، أي تعلوه كدرة الغمّ وقطوب الانقباض. والقترة هي بنفسها الغبرة ، أي كدورة الغبار التي تذهب بصفاء بشرة الوجه.
وعن زيد بن أسلم : الغبرة ، الغبار ينحطّ من العلوّ ، والقترة ، الغبار يرتفع من الأرض. (٣)
قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها. وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). (٤)
ففي هذه الآية جاء التعبير بغشيان وجوههم قطع من الليل مظلما بدل التعبير بسواد الوجه.
وفي آية اخرى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ). (٥) فالوجوه الناضرة هي المبتهجة المسرورة ، تنبسط وتشرق إشراقا لامعا. حيث لمست لذّة الحضور وأحسّت بسعادة البقاء ، تنتظر ثواب ربّها ورحمته. (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً). (٦) (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ). (٧)
__________________
(١) الزمر ٣٩ : ٦٠.
(٢) عبس ٨٠ : ٣٨ ـ ٤٢.
(٣) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٤١.
(٤) يونس ١٠ : ٢٦ و ٢٧.
(٥) القيامة ٧٥ : ٢٥ ـ ٢٢.
(٦) الإنسان ٧٦ : ١١.
(٧) المطفّفين ٨٣ : ٢٤.