يحكم بأنّها من مفاخر نبيّ الإسلام ومواقفه الحاسمة في مكافحة رسوم جاهلية
بائدة ، وأنّه ـ وهو المثل الأعلى للإيمان ـ قد طبّق فيها حديثه الذي معناه : لا
يكمل إيمان المرء حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه. وقد جعل نفسه أوّل من يضرب المثل
لما يضع من تشريع يمحو به تقاليد الجاهلية وعاداتها ، ويقرّ به النظام الجديد الذي
أنزله الله هدى ورحمة للعالمين.
ويكفي لهدم كلّ
القصّة ـ حسبما سطّروها ـ أن تعلم أنّ زينب بنت جحش هذه هي ابنة اميمة بنت عبد
المطّلب عمّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنّها تربّت بعينه وعنايته ، وكان يعرفها ويعرف أهي
ذات محاسن أم لا قبل أن تتزوّج بزيد ، وأنّه هو الذي خطبها على زيد مولاه. وكان
أخوها يأبى من أن تتزوّج قرشية هاشمية من عبد رقّ اشترته خديجة وأعتقته لرسول الله
، فكان يرى في ذلك عارا على زينب اخته ، كما هو عار عند العرب. لكنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يريد أن تزول مثل هذه الاعتبارات القائمة في النفوس على
العصبية الجاهلة ، وأن لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلّا بالتقوى. وهو يرى أن يضحّي
من قبيله في كسر شوكة جاهلية ، فلتكن زينب بنت عمّته ـ وهي امرأة صالحة مطيعة
لربّها خاضعة لصالح الإسلام ـ هي التي تحتمل هذا الخروج على تقاليد العرب وهذا
الهدم لعاداتها الجاهلة ، مضحّية في ذلك بما يقول الناس عنها ممّا تخشى سماعه.
فاستسلمت هي
لما فاتحها الرسول بشأن مكافحة عملية ، ابتغاء مرضاة الله. وفي ذلك نزلت الآية : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ
إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً). لم يبق أمام عبد الله واخته زينب بعد نزول هذه الآية
إلّا الإذعان والاستسلام ، فقالا : رضينا يا رسول الله. فلمّا سارت زينب إلى زوجها
لم يتلاءم خلقها مع زيد ، ولعلّه لأسباب ترجع إلى أعراف شبّ عليها كلّ منهما
وعادات ورثاها من أصل نشأتهما. وربّما كانت تفخر عليه أو تحتقره حسب فطرتها فلم
يكن زيد يتحمّلها واشتكى إلى النبيّ غير مرّة من سوء معاملتها إيّاه واستأذنه غير
مرّة في
__________________