على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريّات التي كذّبها الواقع المشهود. (١)
إنّ الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي ، لأنّ الله قد ناط به امتداد الحياة في هذه الأرض ، وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها. فهو ميل دائم يسكن فترة ثمّ يعود. وإثارته في كلّ حين تزيد من عرامته ، وتدفع به إلى الإفضاء المادّي للحصول على الراحة. فإذا لم يتمّ هذا انهارت الأعصاب المستثارة ، وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرّة! ... والنظرة تثير! والحركة تثير! والضحكة تثير! والدعابة تثير! والنبرة المعبّرة عن هذا الميل تثير! ... والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات ، بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية ، ثم يلبي تلبية طبيعية. وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام ، مع تهذيب الطبع ، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة ، غير تلبية دافع اللحم والدم ، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد.
وفي القرآن إشارة إلى نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين الرجل والمرأة : قال تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ). (٢)
قال سيّد قطب : وغضّ البصر من جانب الرجال أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطّلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام. كما أنّ فيه إغلاقا للنافذة الاولى من نوافذ الفتنة والغواية ، ومحاولة عمليّة للحيلولة دون وصول السهم المسموم!
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة». قال : «من تركها لله عزوجل لا لغيره أعقبه الله أمنا وإيمانا يجد طعمه». وقال : «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة». (٣)
وأمّا حفظ الفرج فهو الثمرة الطبيعية لغضّ البصر ، أو هو الخطوة التالية لتحكيم
__________________
(١) راجع : في ظلال القرآن ، تفسير سورة النور ، ج ١٨ ، ص ٩٣ ، المجلّد السادس.
(٢) النور ٢٤ : ٣٠.
(٣) وسائل الشيعة ، ج ٢٠ ، ص ١٩١ ـ ١٩٢ ، رقم ١ و ٥ و ٦ ، باب ١٠٤ من أبواب مقدّمات النكاح.