ففي الحديث عن الإمام الرضا عليهالسلام فيما كتبه جوابا عن مسائل محمّد بن سنان : «وحرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهنّ من النساء لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحلّ ولا يجمل ...». (١)
قال سيّد قطب : ولقد شاع : أنّ النظرة المباحة ، والحديث الطليق ، والاختلاط الميسور ، والدعابة المرحة بين الجنسين والاطّلاع على مواضع الفتنة المخبوءة ... شاع أنّ كلّ هذا تنفيس وترويح ، وإطلاق للرغبات الحبيسة ، ووقاية من الكبت ، ومن العقد النفسية ، وتخفيف من حدّة الضغط الجنسي ، وما وراءه من اندفاع غير مأمون ... إلخ.
شاع هذا على أثر انتشار بعض النظريّات الماديّة القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرّقه من الحيوان ، والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين ... ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية ، رأيت بعيني في أشدّ البلاد إباحية وتفلّتا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية ، ما يكذبها وينقضها من الأساس.
نعم ، شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكلّ صوره وأشكاله أنّ هذا كلّه لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها. إنّما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلّا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع. وشاهدت الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهومها أنّها لا تنشأ إلّا من الحرمان وإلّا من التلهّف على الجنس الآخر المحجوب. شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكلّ أنواعه ، ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل الذي لا يقيّده قيد ولا يقف عند حدّ ، وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كلّ شيء ، وللأجسام العارية في الطريق ، وللحركات المثيرة والنظرات الجاهرة ، واللفتات الموقظة ... (٢) كلّ ذلك لما يدلّ بوضوح
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ٢٠ ، ص ١٩٣ ـ ١٩٤ ، رقم ١٢ ، باب ١٠٤ من أبواب مقدّمات النكاح.
(٢) راجع كتابه «أمريكا التي رأيت» وفيه التفصيل وعرض الحوادث والشواهد. وراجع أيضا كتاب (الإنسان بين الماديّة والإسلام» لمحمّد قطب ، فصل «المشكلة ـ الجنسية» فقد توسّع في هذا المجال.