فإنّها بوظيفتها الاموميّة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيويّة لا ترجع فيهما إلى تفكير بطيء. وهذه الطبيعة لا تتجزّأ ، فالمرأة شخصية موحّدة ، هذا طابعها حين تكون امرأة سوية. بينما الشهادة على التعاقد بحاجة إلى تجرّد كبير من الانفعال ، ووقوف عند الوقائع بلا تأثّر ولا إيحاء. ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكّر إحداهما الاخرى ـ إذا جرفها الانفعال ـ فتتذكّر وتفي إلى الوقائع المجرّدة. (١)
ويعود السرّ في ذلك كلّه ، إلى نقص الضبط فيهنّ ، لأسباب ترجع إلى طبيعتها الانوثية. قال الطبرسي : لأنّ النسيان يغلب على النساء أكثر ممّا يغلب على الرجال. (٢) أي في مثل الامور التي لا تمسّ شئونها البيتية وتربية الأولاد.
نكتة أدبيّة في الآية
أمّا لما ذا تكرّرت لفظة «إحداهما»؟ أما كان يكفي أن يقول : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى)؟
لكن نظرا لفحوى الآية كان هذا التعبير غير واف بمفادها ، إذ هذا التعبير إنّما يعني : أنّ إحداهما إذا نسيت شيئا ممّا تحمّلته فإنّ الاخرى تذكّرها. وهذا ليس مقصود الآية. بل المقصود : أنّ كلتيهما عرضة للخطأ والنسيان ، فتقوم كلّ واحدة منهما بتتميم أو تكميل ما نقص من شهادة صاحبتها. فهذا التعامل والتفاعل في شهادتهما وتكامل شهادة كلّ منهما بشهادة الاخرى تعدّ شهادة واحدة كاملة في مقابل شهادة الرجل الكاملة بوحدتها.
ومن ثمّ وجب إعادة «إحداهما» ـ بلفظه لا بضميره ـ لإفادة هذا المعنى. (٣)
وذكر الطبرسي وجها آخر نقله عن الوزير الأديب الحسين بن علي المغربي وهو أنّ المعنى : أن تضل إحدى الشهادتين عن إحدى المرأتين فتذكّرها بها المرأة الاخرى. فجعل «إحدى» الاولى للشهادة والثانية للمرأة. قال : معناه أن تضلّ إحدى الشهادتين أي
__________________
(١) راجع : في ظلال القرآن لسيّد قطب ، المجلّد الأوّل ، ص ٤٩٣ مع اختزال يسير.
(٢) راجع : مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٩٨ ؛ وتفسير القاسمي ، ج ١ ، ص ٦٣٥.
(٣) راجع : تفسير المنار لمحمّد عبده ، ج ٣ ، ص ١٢٣.