الأخرى هي التي تذكّرها ما غاب عنها. فكانت شهادة المرأتين بتذكر إحداهما للاخرى ، بمنزلة شهادة رجل واحد.
وذلك أنّ المرأة أكثر عرضة للنسيان فيما لا يعود إلى شئون نفسها بالذات ممّا لا يهمّها في حياتها الانوثية. فربما لا تضبط تفاصيل ما تحمّلته بجميع خصوصيّاته وجزئياته ولا سيّما إذا بعد عهد الأداء عن عهد التحمّل. فكانت كلّ واحدة منهما تذكّر الاخرى ما ضلّ عنها ، وبذلك تكمل شهادتهما معا كشهادة واحدة بتلفيق بعضها مع بعض وضمّ بعضها إلى بعض ، بتفاعل الذاكرتين وتعاملهما بعضا إلى بعض. الأمر الذي لا يجوز في شهادة الرجال ، فلو اختلفت الشهادات ولو في بعض الخصوصيات فقدت اعتبارها. ومن ثمّ جاز التفريق في شهادة الشهود لغرض الاستيثاق.
قال الشيخ محمد عبده : إنّ الله تعالى جعل شهادة المرأتين شهادة واحدة ، فإذا تركت إحداهما شيئا من الشهادة كأن نسيته أو ضلّ عنها تذكّرها الاخرى وتتمّ شهادتها. وللقاضي بل عليه أن يسأل إحداهما بحضور الاخرى ويعتدّ بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الاخرى. قال : هذا هو الواجب وإن كان القضاة لا يعملون به جهلا منهم. وأمّا الرجال فلا يجوز له أن يعاملهم بذلك ، بل عليه أن يفرّق بينهم ، فإن قصر أحد الشاهدين أو نسي فليس للآخر أن يذكّره ، وإذا ترك شيئا تكون الشهادة باطلة ، يعني إذا ترك شيئا ممّا يبيّن الحقّ فكانت شهادته وحده غير كافية لبيانه فإنّه لا يعتدّ بها ولا بشهادة الآخر وإن بيّنت. (١)
وقالوا في سبب ذلك : إنّ المرأة ليس من شأنها الاهتمام بالامور المالية ونحوها من المعاوضات ، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك في الامور المنزلية التي هي شغلها فإنّها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعني أنّ من طبع البشر ـ ذكرانا وإناثا ـ أن يقوى تذكّرهم للامور التي تهمّهم ويكثر اشتغالهم بها. ولا ينافي ذلك اشتغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال المالية ، فإنّه قليل لا يعوّل عليه. والأحكام العامّة إنّما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها. (٢)
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ١٢٥.
(٢) المصدر : ص ١٢٤.