العوفي عن ابن عباس. وقال الآخرون : هما جميعا من الملائكة.
فيقول الله لها ، (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) ، اليوم في الدنيا ، (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) ، الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك ، (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ، نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا وروي عن مجاهد قال : يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك.
(وَقالَ قَرِينُهُ) ، الملك الموكل به ، (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ، معد محضر ، وقيل : (ما) بمعنى (من) ، وقال مجاهد : يقول هذا الذي وكلتني به من ابن آدم حاضر عندي قد أحضرته وأحضرت ديوان أعماله.
فيقول الله عزوجل لقرينه : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) ، هذا خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب ، يقولون : ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها ، للواحد ، قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، ومنه قولهم في الشعر للواحد خليلي. وقال الزجاج : هذا أمر للسائق والشهيد ، وقيل : للمتلقيين. (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ، عاص معرض عن الحق. قال عكرمة ومجاهد : مجانب للحق معاند لله.
(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠))
(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، أي للزكاة المفروضة وكل حق وجب في ماله ، (مُعْتَدٍ) ، ظالم لا يقر بتوحيد الله ، (مُرِيبٍ) ، شاك في التوحيد ، ومعناه : داخل في الريب.
(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) (٢٦) ، وهو النار.
(وَقالَ قَرِينُهُ) ، يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر ، (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، ما أضللته وما أغويته ، (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) ، عن الحق فيتبرأ منه شيطانه ، قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل : قال قرينه يعني الملك ، قال سعيد بن جبير : يقول الكافر يا رب إن الملك زاد علي في الكتابة ، فيقول الملك : ربنا ما أطغيته ، يعني ما زدت عليه وما كتبت إلّا ما قال وعمل ، ولكن كان في ضلال بعيد ، طويل لا يرجع عنه إلى الحق.
(قالَ) ، يعني يقول الله (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ، في القرآن وأنذرتكم وحذرتكم على لسان الرسول ، وقضيت عليكم ما أنا قاض.
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ، لا تبديل لقولي وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩ ، السجدة : ١٣] ، وقال قوم : معنى قوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي : لا يكذب القول عندي ، ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب. وهذا قول الكلبي ، واختيار الفراء لأنه قال : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ولم يقل ما يبدل قولي (١)(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فأعاقبهم بغير جرم.
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) ، قرأ نافع وأبو بكر بالياء ، أي يقول الله لقوله : (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) ، وقرأ الآخرون بالنون ، (هَلِ امْتَلَأْتِ) ، وذلك لما سبق لها من وعده إياها إنه يملؤها من الجنة والناس ، وهذا
__________________
(١) في المطبوع «لي» والمثبت عن «ط» والمخطوط.