٢ ـ في الحديث الصحيح : «حبب إليّ» (١) : أي بالتحبيب الإلهي ؛ ولذا لم يقل : أحببت ؛ لأنه شيء عن حب اختياري ، وذلك غير مقبول (٢).
ومن هذا المقام قالت امرأة العزيز : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : ٣٢] ؛ إذ العدل لا يجري في غير الاختياري ، والله يفعل ما يشاء
(من دنياكم) : أي الأمور الحاصلة في دنياكم ، فحصل الجواب عما قيل : من أن الثالثة ـ وهي الصلاة ـ ليست من الدنيا ، وسيتضح في محله ، وأضيف الدنيا إلى ضمير المخاطب ؛ إشارة إلى أن النبي صلىاللهعليهوسلم ليس من الدنيا في الحقيقة ؛ بل تربة طاهرة مأخوذة من تراب الجنة.
ومن لم يكن من الدنيا ؛ فلا تعلّق له بالدنيا إلا قدر ما أمر الله بالتعلّق به ؛ وهو تعلّق حقيقي لا يكون إلا بالله ، لا تعلق نفساني ، فظهر أن الدنيا صورة الآخرة لمن هو من أهل الآخرة ، فلا يضر التعلّق بها إذا كان معه تعالى.
(ثلاث) أنثها باعتبار أن أكثر المعدودات مؤنث ، أو باعتبار الدنيا ونحو ذلك.
وبما فسرنا قوله : من دنياكم خرج الجواب عمّا ذهب إليه الزركشي ونحوه : من أن لفظ ثلاث ليس من الحديث ، وزيادته مخلّة بالمعنى ؛ فإن الصلاة ليست من
__________________
ـ وتصديقه في حديث عطاء : «أعمال السر مضاعفة» ، والعمل سعي الأركان إلي الله ـ تعالى ـ والنية سعي القلوب إلي الله ، والقلب ملك ، والأركان جنوده ، ولا يستوي سعي الملك وسعي جنوده ، والعمل يوضع في الخزائن والنية عنده ؛ لأنه الذكر الخفي ، والعمل موقوف علي نهايته والنية لا تحصي نهايتها ، والعمل بتحقيق الإيمان ، والنية فرع الإيمان ، بمنزلة الشجرة فيه منصوبة ، فبظهور ورقها هي شجرة وليس للورق نمو ، وإنما هي زينة الشجرة ، والثمر من الفرع ، والفرع سقياه من الأصل.
وذلك قول الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ)[إبراهيم : ٢٤] فالأصل هو الإيمان الذي في القلب ، والنية هي فرعها الذي في السماء والعمل هو للأكل. وانظر : منازل القربة (ص ١٧٨) بتحقيقنا.
(١) رواه النسائي (٥ / ٢٨٠) ، والطبراني في الكبير (٤ / ١٥٢).
(٢) فأشار إلى أن ذلك بتحبيب الله لأسرار وحكم ومصالح أرادها الله لا بحبه هو.