ثم قال حضرة الشيخ : صلّ بنا بعد العشاء صلاة التسبيح.
فقلت : نعم ، فصلينا بالحمد لله ، والرجاء الواثق على أن هذه الليلة كانت ليلة المغفرة والرحمة لأنا قد وجدنا ببركة حضور الشيخ خفة في الأبدان ، وتوجها في الأرواح ، ورقة في القلوب ، وطمعا في عفو الذنوب ، واعلم أن صلاة الرغائب والبراءة والقدر صلاها العلماء الكرام والمشايخ العظام إلى هذا الآن ، وحكم الإمام الغزالي باستحبابها ، وأمر السلاطين في منشور أوقافهم أن يصليها أئمة جوامعهم بعد الإجماع من علماء زمانهم ، والأمة لا تجتمع على الضلالة ، و «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن (١)» ، فلا يضر بك الألفاظ المموهة لأهل الإنكار ؛ فإنهم يزيدون في طنبورهم في كل عصر نغمة وصوت الطبل ، وإن كان يبلغ بعيد الكنه مجوف خال.
قال حضرة الشيخ : أصل السماع حق ، ولكن هذا الوقت ليس وقت السماع. قال : هلا نكتب شرحا على الطريقة المحمدية لمحمد البركوي ، ثم قال : لا حاجة في هذا الزمان ، فسكت من كان عنده ، وقال : الحق ظاهر لأهله ، قال : أهل الحق لا يرى الباطل ، والدنيا عند أهل الحقيقة تبقى في مقام الاعتبار لا مقام الحقيقة.
أرسل حضرة الشيخ دراهم إلى الفقير في محلته ، فقال : إن هذا وقع في قلبي هذه الليلة ، فهذا الرزق لها من الوجه الذي لا يحتسب ، فهو حلال طيب.
ورأيت هذا الصباح يوم الإثنين كأني صليت الترويح في جامع كبير على رأس جسر عظيم ، فخرج حضرة الشيخ من الجامع فتبعته ، فلما أخذنا نجرّ إلى الجسر التفت إليّ ، وقال : أنا أريد منك أن يكون خدمتك لي كخدمة الأولياء للأنبياء فتفكرت أن الخدمة أشق فوجدتها متابعة الشيخ ، وذلك ؛ لأنه كان من دأب الشيخ أن يصلي التهجد فيه ثم يخرج عابرا الجسر إلى البلدة العظيمة التي كانت مقره ، وهي في الرأس الأخير من الجسر ، فعزمت على أن أتابع حضرة الشيخ في الصلاة والقيام ثم الخروج معه إلى تلك البلدة من ذلك من الجسر ، فلما قرب انتهاء الجسر ورؤى البلدة التي وراءه استيقظت ، والحمد لله على ما في هذه الرؤيا من بشارة المتابعة التي هي دين الأنبياء والأولياء أجمعين.
قال حضرة الشيخ : من عرف نفسه فقد عرف ربه : صعود.
__________________
(١) تقدم تخريجه.