قال : وكان شيخي يتكلم من المعارف عند الوعظ بقدر ما يقبله العقول ، ولا يذكر شيء في مجلس في بيته ، سألت حضرة الشيخ عن النوافل التي يشتغل بها الصوفية ؛ فقال : المعتبر عند كبار السلف كما رأيت في وصايا الفتوحات أن صلاة التهجد اثنتا عشرة ركعة ، وصلاة الإشراق أربع ، والضحى ثمان ، وصلاة الأوابين ست ، لكن مع سنة المغرب على الاختلاف الواقع فيها ، قال : إن أهل الأدب يشتغل بالعمل إلى الموت ؛ فإن طريق العمل الأنبياء والأولياء ، وليكن بشرط حضور القلب ، وأدني الحضور في الصلاة أن يعرف ما يقرأ ، قال : إن بعض السلف كان لا يخطر خاطر كوني أصلا لغلبة الخاطر الإلهي فاللازم على المتوجه عند وجود الوسوسة رفعها من طريقه ؛ فإن الحضور روح العمل ، ولا خير في جسد لا روح فيه.
قال حضرة الشيخ : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [البقرة : ٢٥٥] : هي الأبديات ، (وَما خَلْفَهُمْ) [البقرة : ٢٥٥] : هي الأزليات.
قال حضرة الشيخ : هذا زمان الاضطرار ؛ فادع الله بالاضطرار خصوصا في أمر ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) [النمل : ٦٢] ، ودعاء الاضطرار إنما هو بالذلة والافتقار ، ودعاؤنا مشوب بالعزة ، ولذا لا يظهر أثر الإجابة.
ثم حكى قصة الجنيد مع امرأة حيث جاءت إليه ، فقالت : يا شيخ ، قد أسر ولدي ، فماذا ترى؟ فقال : اذهبي واصبري [فمضت ، ثم عادت فقالت له مثل ذلك] إلى أن جاءت مرة ، وقالت : يا شيخ ، لم يبق لي طاقة بعد هذا ، فقال : إن صدقت فقد جاء ولدك ؛ فذهبت فوجدت ابنها في البيت (١).
أقول : وفيه تعريض لهذا الفقير ؛ فإني كنت قد اشتكيت إلى حضرة الشيخ قبل أيام سوء خلق أهل بيتي ، وادعيت أنه قد بلغت القصوى في المحنة ، فأمر حضرة الشيخ بالصبر ، قال : اصبر ؛ فإن هذا زمان فسيجيء زمان متأسف فيه على عدم صبرك حين يذهب الله بليتك.
قال حضرة الشيخ : كل كلمة تخرج من في الواعظ تحفظ وتنشر صحيفتها بين يديه يوم القيامة ، وأقسم بالله أنه لو عرفت قبل عشر أو عشرين أن الأمر هكذا ،
__________________
(١) انظر : الرسالة القشيرية (٢ / ٥٢٦) ، وروضة الحبور (ص ١١٠) بتحقيقنا ، وكتابنا الإمام الجنيد سيد الطائفتين (ص ٢٠٠).