في الجمع ، وكان مقدار طرفة عين ، ثم أيدت من عند الله ، فجئت إلى الفرق ، ثم قال : فإن كنت تسأل عن شيخك وحقيقته ، فإن له كرامات علمية لا مكاشفات كونية فليس لي اطلاع على أحوال أهل القبور ، ولا على الضمائر ونحوها ، ولا أعرف مني بعزل السلطان أو الوزير أو غيرهما ومتى يموت ، ولا أعرف ما ذا يكون غدا؟ قال : إن واحدا من السادات أراد أن يعلمني علم الجفر فلم أرد ؛ لأنه لا بفائدة في معرفة ما سيقع بعد أربعين سنة ، وكان حضرة الشيخ الأكبر جفارا وفاقا جدّا لو كان حيا ، وأراد أن يعلمني الجفر والوفق ما طلبت ؛ لأنهما وأمثالهما لا يتعلقان بالعلم الإلهي ، ولم يخلق الله في قلبي ميلا إلى مثل هذا أصلا.
قال حضرة الشيخ : إني لا أرى رؤيا حسنة إلا قليلا ، رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم مرة ، ورأيت حضرة الشيخ الهدائي مرتين ، قال في الأولى : أنا راض عنك يا بني ؛ لأنك أحببت طريقي ومسح يده بظهري ، سألت في الثانية عن قوله في بعض إلهياته التركية : [...].
قال حضرة الشيخ : إذا أراد الله أن يخلّص عبدا من الأغيار يؤيده ويفتح له الطريق وإن لم يكن له مرشد ، وإنما بغى من بغي في وسط الطريق وفي الحيرة لعدم الاستعداد للأخذ من الله بلا واسطة ، قال : اختر الفناء التام ؛ فإني الآن كالذي كنت زمن شيخي في بابه ، إني معترف بعجزي وقصوري فمن وفق لهذا العجز فسيهديه الله وإلا فلا ، ثم قال : هذه الحاشية ، وأشار إلى حاشية على تفسير الفاتحة في يده ، ليست عندي كجناح بعوضة ، وإنما أذن الله لي في ذلك ، فكيف ثم لا يخطر ببالي أصلا؟
قال : إن الشيخ الأكبر وابنه صدر الدين القونوي ـ قدسسرهما ـ لا يجيء مثلهما أبدا ، وإن كان الله قادرا على مثلهما ، وتفسير الفاتحة بديع جدّا في أسلوبه وترتيبه ومعانيه وحقائقه ، وإنما علقت عليه الحاشية بحسب مرتبتي لا بحسب مرتبته.
قال حضرة الشيخ : الأولياء متفاوتون بعد الوصلة كالسلاطين بعد الجلوس ؛ فإن منهم من له سطوة غالبة وقدرة كاملة ومعرفة كلية مثل السلطان محمد الفاتح والسلطان سليم الأول والسلطان سليمان الثاني من الخواقين العثمانية ، ومنهم من ليس له ذلك كسلطاننا ، وأشار إلى السلطان سليمان ؛ فإنه كان على الفتور والضعف في ضبط الممالك ، وحفظ الأقطار ، وتفتيش الأمور ، وتمييز الخير والشر ؛ لقلة عقله ورشده.