يسخر الروح ، والنفس إذا كانت مغصوبة بقي فيها أثر غصب لا يخلوها عن الانقباض ، وإذا كانت مرحومة بتوسع رزقها من الاسم الرحمن.
قال حضرة الشيخ في وعظه عند قوله تعالى : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) [المائدة : ١١] : لما أن الله تعالى كف شر الأعداء عند همتهم على الأنبياء ، كذلك كف عن الأولياء فلكل ولي حصة من هذه الآية ، وهو داخل في حكمها.
أقول : قرر حضرة الشيخ المقام بحيث أنفسهم منه أن ظلمة الزمان لا يقدح دون أن يهموا إليه بالقتل وكان كذلك ؛ فإن الله عصمه من كيد الأعداء إلى آخر عمره مع زيادة جسارته على الكلام الحق من غير تفرقة بين وزير وسلطان وقاض وأعيان ، ولذا كان يمدحه بعض الوزراء في خلواتهم بالشجاعة.
فإن قلت : كيف عصمه الله ، وقد نفى في آخر عمره ومات منفيا؟.
قلت : حفظ البدن كاف في العصمة ، وقد اضطر النبي صلىاللهعليهوسلم الهجرة مع العصمة والورثة كالرسل في أكثر الأحوال.
قال حضرة الشيخ بعد الطعام والدعاء ليلة الجمعة : مرضت مرة في سالف أيامي فرأيت كأن الروح تخرج من الجسد ، فكان هو في محل والجسد في محل ، ورأيت أن العلاقات جميعا انقطعت عني وأن القوانين والعلوم الرسمية ، فارقتني فلم يبق في دائرة الوجود شيء يشار إليه ، وهكذا يكون وقت الاحتضار ؛ فإن الرسوم تفنى وقتئذ بالكلية ، وما يقال : حسن الخاتمة وسوء الخاتمة ؛ فهو إشارة إلى الأنس والوحشة عن الله فلا بدّ من التجرد عما سوى الله بالكلية ، وهو ما كان غير الذات مطلقا سواء كان من التعينات الإلهية والكونية ، فإن التعينات الإلهية يقال لها أيضا ما سوى ولو بالنسبة فكل ما يطلق عليه ذلك قيد في نفس الأمر ، ويظهر كونه قيدا ولو بعد حين.
قال : وأنا نرى أكثر أهل الطريق في هذا الزمان ممكورين بحسب الأتباع والكراسي والوظائف والخانقاهات [...](١) ولم يتخلص إلا الذين جازوا الأوهام إلى العلوم ، ومن المعلوم إلى العرفان ، ومن العرفان إلى العيان ، ومن العيان إلى العين ، ومن العين إلى الحق ؛ فما دام لم يصل السالك إلى الحق اليقين فهو ناقص ، وإن كان
__________________
(١) بياض في الأصل.