الزيارة الثانية
هذه الزيارة وكذا ما بعدها وقعت بعد استيطاني في بلدة «بروسة» ؛ فإن حضرة الشيخ استخلفني منها ، وحدد الزيارة ثلاث سنين ، ثم لما مضى سنة ونصف نسخ ذلك وأشار إليّ بالقدوم ، فسرت إلى جانب القسطنطينة فلما وصلت إليها لم أجده ـ قدسسره ـ في داره ، وصادفته في ساحل القلعة المعروفة ب «حصار روم إيلي» وهو يتهيأ لدخول السفينة لحضور دعوة في بعض السواحل ؛ فلما رآني تبسم واستبشر ورحب ودعا لي بالخير هنا ؛ فقبّلت يده الشريفة ، ودخلت معه في السفينة ، ثم سرنا إلى المقام المعروف ب «يوشع» والحديقة المعروفة ب «توقات» وسأل عن أحوالي وأحوال أهالي بروسة ؛ فشكرت الله في ذلك ، فقال : لا تكن زمانيا ولا مكانيا ثم تلا قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] ، وسأل عن كيفية الوعظ ، فقلت : تبعثني نفسي في بعض الأحيان على مقابلة بعض الوعاظ في مقالاتهم الفاسدة ، قال : لا تفعل ؛ فإن الله هو الذي يتولى الرفع ، فادفع العمل باختيارك ، وفوض أمرك إلى الله تعالى ، ولا يصح إليهم ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ١١٢] ، فإذا جاء الوقت يرتفع الكدر بالكلية بأمر الله ، دخلت مع حضرة الشيخ والمخاديم الكرام ، وبعض الخواص في السفينة بعد العصر لزيارة بعض المقامات الساحلية فلمّا غربت الشمس ، قال : هذا الوقت إشارة إلى التنزل من المطمئنة إلى مرتبة الملهمة ، وما بين العشائين إشارة إلى التنزل إلى مرتبة اللوامة ، ثم ما بعده إشارة إلى التنزل إلى مرتبة الأمارة ، ووقت الشافعي إشارة إلى الترقي من الأمارة إلى اللوامة ، ووقت الحنفي إشارة إلى الترقي إلى الملهمة ، ووقت الطلوع إشارة إلى الترقي إلى المطمئنة بحسب مراتبها إلى أول الغروب ، ثم يعود الأمر على ما كان عليه ، قال : آخر الليل إشارة إلى السكون الذاتي ، والنهار إلى الحركة الصفاتية ؛ فعند الليل يحصل التنزل الجمال الذاتي ، وعند النهار يحصل الترقي الصفاتي ؛ لأن كل شيء يترقى من السكون إلى الحركة.
قال حضرة الشيخ : اعلم أن الخلق في إثبات ما سوى الله ونفيه على أربعة