الزيارة الأولى
وقعت هذه الزيارة في بلدة «أدرنه» ، وكان حضرة الشيخ مدعو من طرف السلطان محمد الرابع للوعظ والتذكير ، وكنت وقتئذ في قصبة «استرومجة» من القصبات الرومية كما سبق تفصيلها فأرسل إليّ ورقة فاستدعاني إلى أدرنه فلما قدمت مرضت من الحمى أياما لكثافة الهواء ، فلم يتفق لي الصحبة على المراد لما أشير إليه بنقلي وهجرتي إلى بلدة «بروسة» أشار بالعود إلى القصبة ، ونقل البيت منها إليها ؛ ففعلت وحين مجتازي ب «أدرنه» أقمت عند حضرة الشيخ نحوا من ثلاثة أشهر أقرأ عليه «الفصوص» كل يوم ، وجرى بيننا كلمات من المراتب فما كان منها للسر سترته ، وما كان بخلافه أبرزته وأظهرته كما قال في «المثنوي» : [...](١).
قال حضرة الشيخ : الحياة طبعها الحار ، والعلم طبعه الرطب ، الإرادة طبعها البارد ، والقدرة طبعها اليابس فهذه الطبائع الأربع لها حكم وأثر في هذه الصفات والأسماء الإلهية عند أهل الحقائق ، لكن الصفة التي طبعها الحرارة مثلها تشتمل على باقي الطبائع ولو بالقوة ؛ فالحرارة في الحياة الظاهرة غالبة ، والباقية باطنة مغلوبة ، وكذا التي طبعها الرطوبة بالنسبة إلى باقي الطبائع ، وعلى هذا قياس الآخرين ، ولكون هذه التعينات مظاهر هذه الطبائع والصفات بحسب الغلبة ، والعقل ، والمغلوبية ، والقوة جاءت مختلفة الآثار.
ألا ترى أن بعض الأولاد صورية أو معنوية جاء قابلا مستعدا لغلبة الحرارة والرطوبة في منشئه ، وبعضهم بخلافه لغلبة البرودة واليبوسة فيها ، وعين ما اقتضاه عينه الثانية ، ولذا أظهر الله في هذه النشأة على ما هو عينه من الحال في عالم العلم ، (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة : ١١٧].
قال حضرة الشيخ : الألسنة ثلاثة : لسان ظاهر ، ولسان حال ، ولسان استعداد ؛ فلسان الظاهر في الفم ، وسؤاله السؤال اللفظي ، ولسان الحال في الروح وسؤاله السؤال الروحي ، ولسان الاستعداد في أعيان الثابتة وسؤاله السؤال الاستعدادي ، فهذه مراتب الألسن ، ومراتب الأسئلة ، فلكل سؤال مقال.
قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) [الحجر : ٢١] وهى الأعيان الثابتة فلا يفيض شيء إلا منها ، فارجع في سؤالك إلى عينك الثابتة ؛ فإن
__________________
(١) كلام تركي.