شمس الذات البرقية في ظلّها ، وتلك الشمس بجليّة إلى الآن من المجالي والمرائي ؛ ولكن لا يراها الخفاش ؛ لما على بصره من حجاب الكون ؛ وهو الضعف والعمش ، وكذا حجاب القلب ؛ وهو حجاب الكون ، ولو لا الكون لظهر المكون بالكسر على بصر كل بصير في الظاهر ؛ ولكن لا يراه إلا من كشف الحجاب مطلقا جسمانيه وروحانيه.
__________________
ـ مرة ، وإنى شاهدته سبعين ألف سنة فقال صلىاللهعليهوسلم : أنا ذلك الكوكب».
فإن قلت : كيف ذلك العدد والمبالغة فيه؟
قلت : إذا صحّ الحديث فلا إشكال ؛ إذ ذلك كان في عالم الأرواح ، وهي قديمة عندهم قدما غير ما يقوله الحكماء.
فإن قلت : كيف تكون قديمة وهي مخلوقة؟
قلت : لا منافاة كما تقدّم قبل هذا.
وقد ذكر حضرة الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات في الباب الحادي والسبعين بعد الثلاثمائة مسائل تتعلق بهذا البحث.
ولنذكر نبذة منها تبركا بأنفاس الشيخ ، قال رضي الله عنه :
ثم أوجد في هذا العماء جميع صور العالم ، الذي قال تعالى فيه أنه : (هالِكٌ)[القصص : ٨٨] ، يعني من حيث صوره لا وجهه ، يعني إلا من حقيقته ، فإنه غير هالك ، ولا يمكن أن يهلك.
أقول : قد جعل حضرته رضي الله عنه في غير هذا الموضع وجه الشيء عبارة عن الحق تعالى.
قال البيضاوى : في قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[القصص : ٨٨] : أي إلا الجهة التي تلي جهته تعالى.
ثم قال الشيخ : فصورة العالم بجملته صورة دائرة فلكية ، ثم اختلفت فيها صور الأشكال إلى ما لا يتناهى ، حكما لا وجودا.
أقول : عنى بقوله : (حكما لا وجودا) أن وجود العالم متناه بتناهي الدنيا دون حكمه ، فإن له حكما في البرزخ غير هذا الحكم ، وكذا في الدار الآخرة.
ثم قال : والملائكة الحافون حول العرش ما لهم سياحة إلا في هذا العماء المستدير ، الذي ظهر فيه عين العرش على التربيع ، وحملته من صور المعاني ، وصور أجسامها الحروف الدالة عليها ، وهي : أب ج د ه وز ... إلخ.
وفيه ظهرت الملائكة المهيمة ، والعقل والنفس ، والطبيعة الذاتية ، التي هي عين هذا النفس الرحماني بما فيه ، وهي غير الطبيعة التي رتبتها دون النفس التي قال بها الحكماء ، فإن حضرة المولى لا يقول بها أصلا.