__________________
ـ ولعلمنا حقيقة أن تلك العلوم والمعارف التي أظهرها القوم هي غاية هذا الدين الخاتم ، وأنها مقصود الشرع الشريف ، ولعلم من أنكرها أو من لم يعرفها أنه ما عرف عن الدين وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا اسمه ، لا غير.
وإن شاء الله سنقوم بتحقيقها وإخراجها للناس ، وذلك لما رأينا أن معظم كتابات اليوم عن علم التصوف الإسلامي خالية تماما مما استند إليه القوم من الدليل الشرعي ، فصار الكلام في الفلسفات والنظريات والنقل من المستشرقين وكأن الكاتب ليس مسلما ، ولم يقف على كتاب اسمه القرآن ، ولم يؤمن بنبيّ خاتم اسمه محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وكأنه يتكلم عن غير مسلم ـ معاذ الله ـ في موضوع لا يمسّ الدين ، فبالله عليك يا أخي هل ترى علوم التصوف إلا قسمين : قسما : أمرك باتّباع الشرع المطهّر من عبادة : كذكر أو صلاة على رسول الله أو قراءة قرآن أو حسن معاملة مع الخالق والخلق؟
وقال في ذلك الإمام الجنيد سيّد الطائفة قدسسره : علمنا هذا مشيّد بالكتاب والسنة.
وفي ذلك القسم ألفوا «الإحياء» ، و «قوت القلوب» ، و «الرسالة القشيرية».
والقسم الآخر : وهو أسرار الدين والعقيدة العظمى في الله وفي رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وهو العلم المسمّى بعلم الحقائق : «كالفتوحات المكيّة» ، و «الإنسان الكامل» ، وتلك الكتب ما تكلّمت إلا بأنّها مستمدة من السيد الأعظم صلىاللهعليهوسلم ، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كان عندهم تلك العلوم وأعظم ،
(فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] ، وأقاموا الدليل الشرعي على ذلك ، وإن شئت فراجع «اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر» ، وبالله عليك هل سمعت ولو ممن ينكر على السادات الصوفية أن واحدا منهم كان محبّا للدنيا أو طلب من آخر ترك أمر في الشريعة أو كان يجبر أحدا على تعظيمه؟! لا ، والله.
وانظر كل كتب التراجم ولو المنكرين عليهم كما ذكرت فإنك لن تجد مثل هذا ، ولن تسمع إلا أنه كان زاهدا عابدا ورعا ، لا يقيم لنفسه على أحد وزنا ، فأنصف الحق من نفسك ، واستبرئ لدينك.
وصار باحثينا القارئون لتلك الكتابات يتجرأون على الشريعة وعلمائها بدون أدنى تعب في البحث عن الأدلة الشرعية ، ولو وقف أحدهم على قوله : (إنّ الله عند لسان كلّ قائل وقلبه) لما تجرأ بالطعن على ما يجهل ، ولأفتاه قلبه : إياك والإنكار على ما تجهل ، فإنك لم تحط بعلم الله ، فلا تحكم على الله ، قال تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد : ٢١] ، ولذكّره بقوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)[الكهف : ٦٥].