مرتبة فنائه ، ومن توضأ ؛ فلينشتر : أي على نية إخراج الخيالات عن الدماغ ، ومن استجمم ؛ فيؤثر ؛ لأنه لا بد من الطهارة في مرتبة الأفعال ، ومن النقاوة في مرتبة الصفات ، ومن النظافة في مرتبة الذات.
فإذا حصلت هذه الطهارات الثلاث ؛ حصل مسّ مصحف الوجود ، وأسراره ، وحقائقه كما قال تعالى : لا يمسه إلا المطهرون ، وإنما قال صلىاللهعليهوسلم : «حتى تخرج من تحت أظفاره» (١) ؛ لأن تابع الحي حي ، والمتصل بالمذنب مذنب ، وأول ما اتصل به الروح ؛ هو الدماغ ، وأول ما ينقطع عنه ذلك ؛ هو الظفر ، فكما سرى من الدماغ إلى الأظفار ينجذب من الأظفار إلى الدماغ واللسان ، فلا يبقى إلا الجسد الخالي صورة المملوء بالروح معنى ، وما يعقلها إلا العالمون ، وإلى الله المصير لكل قليل وكثير.
وفي بعض الأحاديث : «لا يحدث فيهما نفسه» (٢) :
يعني : أن الركعتين اللتين لا يحدث المصلّي فيهما نفسه باختياره ، وصرف توجهه بسبب لمغفرة ذنوبه بخلاف ، فإذا كان الحديث وارد باختياره ؛ فإنه معذور فيه ، فقد لا يقطع عليه الصلاة ولا ينقص ثوابها إن لم يكن متماينا فيها ، فإن كان متماينا فيها ؛ فلا بد من نفيه ؛ لأنه امتحان ، وإن كان بخلقه تعالى ، وهو من قبيل ؛ لأن الصلاة لا تسع غير المناجاة ؛ وهي ما كان بين العبد وبين ربه.
فإذا توسّط في البين ما كان بين العبد وبين غير ربه ؛ خرج العبد عن مقام المناجاة ، ودخل في الحجاب ، والله تعالى في قبلة العبد ، فإذا احتجب العبد عما قبلته ؛ كان كأنه قد تحوّل عن القبلة لما أن ظاهر وجهه إلى القبلة ، وباطن وجهه إلى غير القبلة ؛ ولذا شرط الإحسان في الصلاة ؛ وهو مرتبة المكاشفة وأدناها المكاشفة الخيالية ؛ فهو سبب القبول والشفيع ، وبه يزول الشرك ، ويرتفع البين ، ويظهر العين.
١٥ ـ في أحاديث البخاري : «من حجّ لله» (٣) :
: أي قصده قصدا صحيحا معنويا لا انحراف فيه أصلا لا إلى الأجسام ، ولا
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البخاري (١ / ٧١) ، ومسلم (١ / ٢٠٤).
(٣) رواه البخاري (٢ / ٥٥٣) ، والطبري في تفسيره (٢ / ٢٧٧).