جعل الدخول في الروضة من أحد البابين : باب السّلام ، وباب جبريل ؛ لأن الله تعالى قال : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [البقرة : ١٨٩].
ولا شك أن الحقيقة إنما تؤتى من باب الشريعة ، أمّا باب السّلام فلأن الداخل منه يمرّ بجانب القدم ، والقدم إشارة إلى مقام السعي والكسب ، كما أشار إليه قوله تعالى : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦].
ويمكن أن يقال : إن الداخل من باب السّلام يمرّ بالمواجهة ، وجانب الرأس أولا ، وذلك إشارة إلى مقام المجذوب السالك ؛ واسمه الجلالة وحدها.
والداخل من باب جبريل يمرّ بجانب القدم أولا ، وهو إشارة إلى مقام السالك المجذوب ؛ واسمه كلمة التوحيد.
ويجوز أن يقال : إن الأول من حيث إنه يمرّ بالمنبر يشير إلى الفرق والكسب ، والثاني من حيث إنه باب جبريل يشير إلى الجمع والفيض ؛ وذلك لأن جبريل كان يأتي من الفوق بالفيض الإلهي الجمعي ، ثم يتنزّل الأمر إلى مرتبة التحت المنبري ، فيبدأ السامعون بالكسب ، وعلى كل من التقادير ، فما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ؛ لأن دخول ظاهر الجنة ، والوصول إلى درجاتها ؛ منوط بقبول التوحيد ، والشرائع ، وكسب الأعمال ، والأحكام ، ودخول باطن الجنة ، والوصول إلى حقائقها ؛ مربوط بقبول الحق المطلق وحده ، كما قال : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) [الأنعام : ٩١].
الترقّي إلى مقامات القرب ، والوصال ، فمن دخل هاتين الجنتين ؛ فقد دخل الروضتين ، فتنكير روضة إنما يدلّ على الشريعة الظاهرة ؛ وهي لا تنافي الحقيقة الباطنة ، وفيه إشارة إلى أن الصدر الإنساني بمرتبة المنبر ، والقلب بمرتبة القبر ، فما بينهما من مقامات الملك والملكوت يعدّ من الرياض المعنوية ؛ لأن حال الصدر يؤثّر في الأعضاء ، والقوى الظاهرة ، وحال القلب يؤثّر في الروح ، والقوى الباطنة ؛ فيكون الكل كالروضة.
قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) [آل عمران : ٩٦] ؛ هي الكعبة.