طبقات السموات إلا وفيها بيت معمور ، ومثل الكعبة في حيالها جوزي من اتبعه في ملّته التي من جملة آثارها بناء المسجد بمثل ما جوزي إبراهيم من البيوت الملكوتية الجنانية ؛ فانطبق الفرع على الأصل ، وفيه تلويح إلى أن العمدة في خلق الإنس والجن هي العبادة التكليفية ؛ ولذا رفعت بيوتها كما قال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور : ٣٦] : أي ذكرا مطلقا في ضمن الصلوات المشروعة أو غيره.
وعلم من ذلك أن الوسائل ملحقة بالمقاصد في التعظيم والإجلال ؛ ولذا يعظّم أبدان الخواص ، وتوقرّ أشباح الأولياء ؛ لشدة تعلّق أرواحهم الطيبة بها ، وسريان بركاتها إليها ، فمن حقّرهم في ظواهرهم ؛ فقد حقّرهم في بواطنهم ؛ والباطن هو الحق المسجود له ؛ لأنه تعالى قال : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] : أي خلق آدم فتجلّى فيه ، فمن أراد إطفاء نور الله تعالى ؛ أطفأه الله ، وكان من الكافرين ؛ كإبليس عليه ما يستحق ، والله الحافظ لعباده.
١١ ـ في المتفق عليه : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من ترك صلاة العصر ؛ فقد حبط عمله» (١) :
يعني : عمل اليوم ؛ إنما يهتم بصلاة العصر ؛ لأنها خاتمة فرائض النهار ، فإذا لم توجد الخاتمة ؛ كان العمل أبتر ، وفي حكم الحبوط والبطلان ، ووجه التشديد اشتغال أهل البلاد الحارة في ذلك الوقت بأمور المعاش ؛ فكان ذلك من مظان ترك صلاة العصر ، كما كان عليه المنام في ليالي الصيف في البلاد الرومية الباردة من مظان ترك صلاة الصبح.
وفيه إشارة : إلى أن ترك توبة القلب الأوسط ؛ كترك الصلاة الوسطى ، فمن حرمه ؛ فكأنما حرم الصلاة الوسطى ؛ لأن العمل إنما يتم بتوجه القلب وخلوصه ؛ فهو مدار تمام الأعمال ، وسبب نمائه ؛ ففيه حث إلى الترقّي من الطبيعة والنفس إلى مرتبة القلب ، وأيضا فإن العصر هو الوقت كله من أول العمر إلى آخره ، فمن فات منه
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٢٠٣) ، والنسائي (١ / ١٥٣).