٥٥ ـ في الصحيح قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (١) :
اعلم أن تخصيص المسلم بالذكر حيث لم يقل : المؤمن ... إلخ ؛ إنما هو لأجل ذكر اللسان واليد ، فإن الإسلام هو الانقياد والظاهر كما أن اللسان واليد من الأعضاء الظاهرة ؛ فمن له إسلام ظاهر ؛ يجب عليه أن يكون بحيث يسلم ظاهر الخلق من أعضائه الظاهرة كلها.
__________________
ـ قال أنس : ما رأيت يوما كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال : وفي رواية للترمذي : «لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة أضاء منها كل شيء» ، قال الشارح : أي بسبب حلوله فيها.
ورواية البخاري : «ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم» انتهى.
قال الترمذي : فلما كان اليوم مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا أيدينا من التراب ، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
قال : ومن آياته صلىاللهعليهوسلم بعد موته ما ذكر من حزن حماره عليه ، يعني يعفور حتى تردى في بئر ، وكذا ناقته فإنها لم تأكل ولم تشرب حتى ماتت.
قال : وفي حديث أبي موسى في رواية مسلم عنه أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله إذا أراد بأمّة خيرا قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمة عذّبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر ، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره».
وإنما كان قبض النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أمته خيرا ؛ لأنهم إذا قبضوا قبله انقطعت أعمالهم ، وإذا أراد الله بهم خيرا جعل خيرهم مستمرا ببقائهم محافظين على ما أمروا به من العبادات وحسن المعاملات ، نسلا بعد نسل ، وعقبا بعد عقب.
قال : ولمّا قبض صلىاللهعليهوسلم تزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة.
قال : إذا كان عرش الرحمن قد اهتزّ لموت بعض أتباعه فرحا واستبشارا لقدوم روحه ، فكيف بقدوم روح الأرواح ، أسأل الله العظيم متوسلا إليه بهذا النبي الكريم وبنور وجهه الذي ملأ أركان عرشه ، أن يزرع في قلوبنا معرفته ومحبته ، وأن يجعل أرواحنا سابحات في عالم الملكوت مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا.
وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم ، كلما ذكره الذاكرون ، وغفل عن ذكره الغافلون.
(١) رواه البخاري (١ / ١٣) ، ومسلم (١ / ٦٥).