__________________
ـ قال القرطبي الإمام المفسر : وفي هذا أدل دليل على شجاعة الصديق ؛ فإن الشجاعة حدها ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فظهرت عنده شجاعته وعلمه حين قال الناس : لم يمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم واضطرب الأمر ، فكشف الصدّيق بهذه الآية ما نزل بهم ، ولما صعد على المنبر تشهد وصلّى على نبيه ثم قال : أما بعد إلى أن قال : ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى يدبرنا : أي يكون آخرنا موتا ، أو كما قال : فاختار الله عزوجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله ، فخذوا به تهتدوا لما هدي له رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال الإمام ابن المنير : لما مات صلىاللهعليهوسلم طاشت العقول ، فمنهم من خبل ، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام ، ومنهم من أخرس فلم يطق الكلام ، وكان عمر ممن خبل ، وعثمان من أخرس ، وعلي ممن أقعد ، وكان أثبتهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، جاء وعيناه منهملاتان ، وزفراته تردد ، وغصصه تتصاعد وترتفع ، فدخل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأكبّ عليه وكشف الثوب عن وجهه وقال : طبت حيّا وميتا ، انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء قبلك.
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها : «إن أبا بكر دخل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته فوضع فاه بين عينيه ، ووضع يده على صدغيه ، وقال : وانبياه ، واصفياه ، واخليلاه.
قال : وقالت فاطمة عند وفاته : يا أبتاه ، أجاب ربّا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه من إلي جبريل ننعاه».
قال الحافظ بن حجر : الصواب : «من إلي جبريل نعاه».
قال : وقد عاشت فاطمة رضي الله عنها بعده ستة أشهر ، فما ضحكت تلك المدة ، وحق لها ذلك.
قال : وأخرج أبو نعيم عن علي رضي الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم صعد ملك الموت باكيا إلى السماء ، والذي بعثه بالحق لقد سمعت صوتا من السماء ينادي : وامحمداه ، قال : وكان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحه ويقول : يا عبد الله اتق الله ، فإن في رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسوة حسنة.
وروي أن بلالا لما كان يؤذن بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم وقبل دفنه ، فإذا قال : (أشهد أن محمدا رسول الله) ارتجّ المسجد بالبكاء والنحيب ، فلما دفن ترك بلال الأذان.
قال : وقد كانت وفاته صلىاللهعليهوسلم يوم الإثنين بلا خلاف ، وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتدّ الضّحى ، ودفن يوم الثلاثاء ، وقيل : ليلة الأربعاء ، وهو الذي عليه الجمهور ، وقيل غير ذلك.