«ما وسعني أرضي ولا سمائي ؛ ولكن وسعني قلب عبدي» (١) ، وذلك إن اللباس لا بد أن يسع اللابس ، فدلّ وسعة القلب على الله تعالى : إنه كاللباس على سرّه قدر ما يسعه استعداده ، وفيه بيان سعة القلب جدا ، وإلا فالله تعالى يمتنع أن يكون محاطا ، ولمّا رأوا ان القلب كان كاللباس على سرّ الله ، وان باطن الإنسان اشتمل عليه ، وضعوا في الظاهر علامة له ؛ ليتوافق الظاهر والباطن ؛ وهي الخرقة المذكورة.
فكل من أهل القباء ، والعباء يخالف الآخر حيث إن أهل العباء مكاشفون عن الحقائق في الحقيقة ، فلا بد لهم من رسم مخصوص يدلّ على حالهم في الباطن بخلاف أهل القباء ؛ فإنهم من حيث إنهم محجوبون عن السر الإلهي ؛ لم يكن لهم زينة لهم هي من باطن الدين ؛ بل اكتفوا بالزينة الظاهرة التي هي من الحياة الدنيا ؛ فظهر أن من طعن في خرق الفقراء السالكين ، فقد طعن في الدين الذي هو الدين المرضي عند أهل الله تعالى ، نسأل الله تعالى أن يعصم ألسنتنا من الزلل وعقائدنا من الخلل ، وأعمالنا من الفتور والكسل.
٤٨ ـ في الصحيحين : «إن الله يقول : يا أهل الجنة» (٢) : الحسّية في الآخرة ، وأهل الجنة المعنوية في الدنيا.
قوله صلىاللهعليهوسلم : (يا أهل الجنة) : أي يا أهل النعيم مطلقا ؛ وهو النعيم الحسّي المتعلّق بالأجسام ، والنعيم المعنوي المتعلّق بالأرواح ، وفي النداء ، وإضافتهم إلى النعيم زيادة ترويح لهم ، وتطييب.
وإشارة إلى أن أهل النار لا نعيم لهم من مطعوم ، ومشروب ، وملبوس ، ومنكوح ، فيقولون : أي كل واحد منهم ؛ فإنهم لا حجاب هنالك بين السمع والكلام ؛ للطافة الأبدان ، والقلوب بخلاف حال الدنيا ؛ فإن النداء وإن كان يتوارد فيها أيضا ؛ لكن لا يسمعه المحجوبون ، وإنما يسمعه المراقبون المكاشفون.
__________________
(١) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (١ / ٣٦٥) ، والقاري في المصنوع (١ / ١٤٦).
(٢) رواه البخاري (٥ / ٢٣٩٨) ، ومسلم (٤ / ١٧٦٧).