وذلك لأن السير إمّا سير إلى الله ؛ وهو بالفناء التام في عين الجمع ، وليس لصاحبه عين ، ولا أثر لا من الهيئات المظلمة السابقة على فتح باب القلب ، ولا من التلوينات التي تظهر في الهيئات النورانية المتأخّرة عنه ؛ وهما الذنب المتقدّم ، والمتأخّر في قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢].
فإنه عند الاستغراق ، وظهور النور الأحدي الذي هو أصل الأنوار كلها ؛ لا يبقى ظلمة ، ولا تلوين أصلا ؛ بل كلاهما مستور مغفور بذلك النور الأحدي الذاتي في مقام السرّ.
وإمّا سير في الله وهو : كشف مقام الفرق بعد الجمع ، والتعقيد بعد التحليل ، واللذّة الدائمة التي أشار إليها قوله صلىاللهعليهوسلم : «وأسألك لذّة النظر إلى وجهك الكريم أبدا دائما سرمدا ، وقاب قوسين أو أدنى» (١) ؛ وهو الذات البرزخية التي تجمع بين الصفات كلها ، ولصاحبه البقاء بالله في ذاته ونعوته.
قالوا : أحب في العبارة أن يقال ، فإذا قاله العارف الغير الواصل عني بقوله : أرشدنا إلى كمال السير إليك ؛ ليستضيء بنور قدسك ، وإذا قاله الواصل عني بقوله : أرشدنا إلى طريق السير فيك ؛ لنفوز بمقام جمع الجمع الذي لا مستقر للكمّل دونه ؛ إذ ليس دونه حجاب ؛ بل هو رؤية الحق في الخلق ، ورؤية الخلق في الحق ، وهو سرّ قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١].
فالعارف (٢) إذا عرف الله تعالى حق المعرفة ؛ كان من الواصلين ، والواصل مستضيء بنور القدس ، فكيف يكون له ظلمة؟ بل هو ظل الوجود الحقيقي ؛ بل هو
__________________
(١) رواه النسائي (١ / ٣٨٧) ، وذكره المناوي في فيض القدير (٤ / ٢٩٢).
(٢) قال سيدي علي وفا : العارف عين معروفه ، والمحقق حقيقة ما حققه ، وعلى قدر شهود الكمال والتكميل تكون محبة الشاهد لمشهوده ، وعلى قدر صدق المحبة يكون تحقق المحب بمحبوبه ، وعلى قدر التحقق يكون ظهور المتحقق بحكم ما تحقق به عينا وأثرا ، ولكل مقام مقال ، ولكل مجال رجال ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن : ١١] ، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصلت : ٥٤].
وهو هو بما هو هو سيدي وربي ، وهو مولاي وحسبي ليس إلا هو ، يا مولاي ، يا واحد ، يا مولاي ، يا دائم ، يا علي ، يا حكيم.