الوجود المجازي الذي ينسب إلى الكون ، والوجود الكوني : وجود مفروض متوهم ، كما أن الوجود الواجبي : وجود معلوم متحقق ، فلا بد من محو الوجود الموهوم ؛ ليظهر سر الوجود المعلوم المحقق.
فالوجود الموهوم : اعتبار محض ولا وجود له حقيقة لما هو اعتباري ؛ لكن من غلب حكم إمكانه على حكم وجوبه ؛ أعطى للإمكان الموهوم وجودا ، فاحتاج إلى الخلاص عنه ، وطريقه تحقيق التوحيد في أفعال الله تعالى ، وصفاته ، وذاته ، فمن احتجب عن التجليّات برؤية وجوه الإمكاني ، وآثاره ؛ احتجب عن التوحيد ، فبقى في الشرك في الدنيا ، وفي العذاب في العقبى.
أمّا الشرك الجلّي فأمره ظاهر ، وأمّا الشرك الخفي فأمره خفي ، فإن العقل قاصر عن إدراك الشرك في الموحّد ، وفي كونه معذّبا بالعذاب المعنوي الروحاني في الدنيا وفي الآخرة ، فكم من واصل وهو في عين الفراق ، وكم من داخل وهو في حكم الخارج ؛ ولذا كان الله تعالى لا ينظر إلى الصورة والأعمال ؛ بل إلى القلوب والنيّات ، فإذا صلحت القلوب ؛ صلح الحال مع الله في مرتبة جماله المطلق ، وإذا فسدت ؛ فسد الحال معه في تلك المرتبة ، ففرق بين نعيم ونعيم ، وجمال وجمال ، وبصر وبصر ، فليحذر المؤمن أن يدخل النار وهو في رياض الجنة.
والحاصل : إنه لا بد للسالك من الوصول إلى الفناء الكلي حتى ينجو من شر الوجود المجازي ، ويغتنم بخير الوجود الحقيقي ، فكل الوجود شر إلا الوجود الحقيقي كما قيل : ألا كل ما خلا الله باطل ، ولا وجود للباطل مع الوجود الحق ، فأين أنت من فهم هذا المعنى؟ فاخرج من الباطل ، ومن اعتباره حتى تدخل في الحق ، وفي حقيقته ، والله المعين ، وبه نستعين ، وهو الحق اليقين.
٣٩ ـ في صحيح مسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من مات ، وهو يعلم أنه لا إله إلا الله ؛ دخل الجنة» (١) ، رواه عثمان رضي الله عنه.
اعلم أن هذا الحديث يدلّ على أن الإيمان ليس بعبارة عن التصديق ، والإقرار ،
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٥٥) ، والبيهقي في الشعب (١ / ١٠٨).