__________________
ـ فالشيخ يجب أن يكون بالحق قائما به متحققا بمقام كنت سمعه وبصره حتى يمكن منه الإيصال إذ لو كان بنفسه فلا يمكن منه ذلك ، فثبت بهذا أن السالك بالله واجد له تعالى ، والسالك بنفسه فاقد له ، ولا يجده.
وبه يجمع بين قول الرسول صلىاللهعليهوسلم : «من طلب الله وجده (١)» ، وبين قول أبى يزيد البسطامي قدسسره : «السالك مردود ، والطريق مسدود».
فإن السلوك والطلب بمعنى واحد ، فصار مآل قول الرسول صلىاللهعليهوسلم : إلى أن الطالب واجد لله.
ومآل قول أبي يزيد : إلى أن الطالب غير واجد له ، وهما متناقضان ظاهر لكن المراد في الأول الطلب بالله ، وفي الثاني الطلب بالنفس فلا تناقض ؛ لأن شرطه اتفاق القضيتين في الوحدات الثمانية وهنا ليس كذلك فتأمل.
ثم أكده بقوله : (الشيخ من نقلك من نار البعد وإلانفصال إلى جنة القرب والاتصال) أي :
شيخك المسلك لك أيها السالك هو الذي نقلك من نار هو البعد عن حضرة القدس والانفصال عنها بوقوفك مع السوى ، وشركك الخفي والأخفى إلى جنة هي القرب إلى الله ، والاتصال به اتصال الفرع بأصله من حيث الوصول إلى غاية المرام عاريا عن الوصل ، والفصل المشهودين بين العوام ؛ لأنهما بالمعنى المشهود محال في حقه تعالى حيث لا وصل ولا فصل ولا قرب ولا بعد.
وفي لسان هذه الطائفة أن البعد هو المسمّى بالنار وبجهنم ، والقرب هو المسمّى بالجنة ، وإن البعد هو المتوهم والقرب هو المتحقق ؛ لأن المقامات والمواطن كلها مراتب ظهوره تعالى ، فلا بعد الإعلى سبيل التوهم فما ثمّ إلا قرب ، فالمراد النقل من البعد المتوهم الذي يتوهمه المريد إلى القرب المتحقق الذي هو الأمر عليه في نفسه ، وهذا لا يكون إلا برفع الحجاب له وكشف الأمور على ما هي عليه ، فيخرج المريد عن الوهم والخيال ، ويدخل في القرب والاتّصال فنكشف له حقيقة الحال.
وبما ذكرناه تبين أنه تأكيد لما قبله ومعنى التأكيد على لسان الحقيقة أن يكون في اللاحق ما في السابق مع زيادة وفائدة جديدة ؛ لأن التجلي لا يتكرر ، ثم زاد الشيخ قدسسره في البيان اهتماما بهذا الشأن.
وقال قدسسره : (الشيخ من أمات نفسك قبل أن تموت ، وجال بروحك في عالم اللاهوت) المراد بإماتة نفس المريد إخراجه عن الالتفات إلى الدنيا وتوابعها ، وعن النفس وحظوظها كالميت لا شيء له مما ذكر ، وهذه الإماتة إرادية كما أن الخروج مما مرّ إرادي ، والمراد بالموت الثاني الموت الطبيعي ، وقد مرّ معنى الموت بأقسامه (جال) في الحرب جولة بفتح الجيم ، وجال في الطواف جولا بفتح الجيم وضمها وبسكون الواو وجولا بتحريك الواو ، وجول بالتشديد تجوالا واجتلال ، والجال