ومعنى الإيمان بالأولياء : الإقرار بهم ، والانقياد لهم ، ولأحوالهم ، والتسليم لمذاهبهم ومسالكهم.
ولمّا كان القول بكلمة التوحيد لا يكفي في إيمان القائل : أروقه صلىاللهعليهوسلم بقوله : «وكفر بما يعبد من دون الله» (١) : أي أنكره بقلبه ، وصدّق كلمته بالعبادة له تعالى بالإخلاص والإعراض عن المعبودات الباطلة ؛ بل عمّا سوى الله تعالى بالكلية ، فإنه ما من شيء من الأشياء الموجودة الملكية والملكوتية إلا وهو معبود بوجه من الوجوه من حيث إن فيه تجلّي بعض الأسماء الإلهية.
ولذا قال تعالى : (قُلِ اللهُ) : أي لا تتعلّق إلا بالله الذي له جميع الأسماء الجمالية اللطيفة والجلالية القهرية ، فإن الحجاب إمّا حجاب الكون والظلمة ، وإمّا حجاب
__________________
ـ وقال رضي الله عنه في «الفتوحات» في الباب الثالث والسبعين عن أبي يزيد البسطامي قدّس سره أنه قال لأبي موسى الديبلي : يا أبا موسى إذا رأيت من يؤمن بكلام هذه الطائفة ، فقل له : يدعو لك فإنه مجاب الدعوة ، وهو أبو يزيد من أحد النوّاب ، ثم قال رضي الله عنه : وكيف لا والمسلم في بحبوحة الحضرة ، ولكن لا يدري أنه فيها لجهله بها ولا يغرّك أيّها الناظر قول العموم أن كل علم لا يكون عن حال فليس بشيء كما يتخيله الجهّال ، والعوّام فإنه رضي الله عنه ذكر في الفصل الرابع في المنازل من «الفتوحات» : إن الرجولية ليست فيما يتخيله الجهّال من عامة الطريق بطريق الله ، فيتحجّبون بالحال عمّا يقتضيه العلم والمقام يقولون : كل علم لا يكون بالحال ، فليس بشيء فقل له : لا تقل ذلك يا أخي فإنه خلاف الأمر وإنما الصحيح أن تقول : كل علم لا يكون عن ذوق فليس بعلم أهل الله ، فأراك لا تفرّق بين الحال والذوق ، وما تم علم قط إلا عن ذوق لا يكون غير هذا والمتمكّن في العبودية لا حال له البتة مخرجه عن عبوديته ، فلو لم يكن في الأحوال من النقص إلا أن يخرج من مقامه إلى ما لا يستحقه ، وهو لا حق له حتى أنه لو مات في حال الحال لما مات صاحب نقص وحشر صاحب نقص ، فليست الأحوال من مطالب الرجال لكن الأذواق من مطالبهم ، وهي لهم فيها من العلوم بمنزلة الأدلّة لأصحاب النظر فيها انتهى كلامه رضي الله عنه.
فلا يصرفنكم صارف عما تلوته عليكم ولو شاء الله ما فعلته.
قال تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)[الكهف : ٢٩].
قال تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ)[النحل : ٩].
(١) تقدم تخريجه.