__________________
ـ فافهم ، ومن أي وجه أصابوا ومن أي وجه أخطأوا ، وهكذا حالهم رضي الله عنهم مع أهل الأذواق والمكاشفين الذين لم يتحققوا بالذوق الجامع ، ويعرفون أيضا حال المتمكنين ، ومن غلب عليهم من الأسماء والأحوال والمقامات ، التي أوجب لهم تعشّقهم وتقيدهم بما هم فيه ، ومن الذي له أهلية الترقّي من ذلك ، ومن ليس له ذلك فيقيّمون رضي الله عنهم أعذار الناس وهم لهم منكرون ، وبمكانكم جاهلون ، وعن مقامهم عمون.
ولهذا التحقق والإشراف لم يقع بين الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسّلام خلاف في الأصول من أحكام الحضرات الأصلية الإلهية ، وإن تفاضلوا في الإطلاع وما نقل من خلاف عنهم صلوات الله عليهم إنما ذلك في جزئيات الأمور والأحكام الفرعية الشرعية ؛ لكونها تابعة لأحوال المكلفين وأزمانهم ، وما تواطئوا عليه ، وما اقتضته مصالحهم فتتعيّن الأحكام الإلهية في كل زمان بواسطة رسول ذلك الزمان ، بما هو الأنفع لأهله ، وأما هم صلوات الله عليهم مما عدا الأحكام المذكورون فمتفقون ، وكل تال يقرر قول من تقدمه ويصدقه ، لاتحاد أصل مآخذهم صلوات الله عليهم أجمعين وصفاء محلهم حال التلقي من الحق سبحانه عن أحكام العلوم المكتسبة ، والعقائد المقيّدة ، والتعلقات الطبيعية ونحو ذلك.
أما ترى قوله تعالى يشير إلى هذا المقام (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران : ٦٤].
فليس بين القوم بحمد الله خلاف فيما يتحققون به ، بل هم في شغلهم أحقّ وأصح من أهل الحسّ فيما يدركونه بحواسهم ، بل ولا نقول أن الحق مع أحد القولين أو مع إحدى الطائفتين ، بل نقول : إن الحق مع كل طائفة ، وكلهم صادقون في قولهم ولكن باعتبار المواطن والمصارف ، فإن كنت عارفا بالمواطن وعرفت صدق كل من هذا ، وعرفت أن كل مجتهد مصيب ما معناه فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن ، والمواطن شهد أحق عدل عند الله ، فإنها لا تشهد إلا بصدق فافهم.
فإني أدّيتك الأمانة مع السلامة من البشاعة.
اعلم أنّ الحق سبحانه وتعالى ربط العوالم والموجودات جليلها وحقيرها ، كبيرها وصغيرها بعضها ببعض ، وجعل بعضها مرائي ومظاهر للبعض ، فالعالم السفلي بما فيه مرآة للعالم العلوي ، ومظهر لآثاره ، وكذلك العالم العلوي مرآة تتعيّن فيه أرواح أفعال العالم السفلي تارة وصورها تارة أخرى ، والمجموع تارة أخرى ، وعالم المثال الكلي من حيث تقيده في بعض المراتب ، ومن حيث عموم حكمه وإطلاقه أيضا مرآة لكل فعل وموجود ، ومرتبته وانفراد الحق سبحانه بإظهار كل