فإن الله تعالى موجود بوجود حقيقي مطلق ؛ وهو مبدأ الوجود العام الساري في الموجودات لا بوجود عام مقيّد مأخوذا في ضمن المشخّصات ، فلا يلزم ما يقوله الوجودية ؛ ولكمال صعوبة هذا المعنى خاض فيه من خاض ؛ فطعن على أهل الله تعالى في قولهم : بالوجود المطلق ؛ وهم أهل الرسوم ، وبعض المكاشفين القاصرين.
وإنما قدّم النفي على الإثبات كما في قوله : (سبحان الله وبحمده) ؛ لأن النفي والتنزيه صفة الروح ؛ ولذا كان من شأن الملائكة التسبيح ؛ وهم أقدم وجودا من البشر ، كما أن الروح أسبق من الجسد الأشبة إلى الخواص ، فكان البشر من الملائكة بمنزلة التحميد من التسبيح ؛ لكن لمّا كانت هذه الأمة المرحومة أكمل استعدادا من الأمم السالفة ؛ جمعوا بين كمالي التسبيح والتحميد ؛ لأنهما لباسان جميلان للروح الذي طرفه الذي يلي الحق يقتضي التسبيح والتنزيه ، وطرفه الذي يلي الحق يستدعي التحميد والتشبيه ، فلم يتحقق ، ولم يتلبّس بهذين اللباسين على وجه الإحاطة (١) والكمال إلا هذه الأمة.
فكان من شأنهم : كمال التوحيد والتسبيح على ما يقتضيه نشأة أرواحهم الطيبة المجرّدة المنسلخة عن الفواشي ، وكمال التحميد والتشبيه على ما يقتضيه نشأة أجسادهم النظيفة المتعلّقة بالملابس ، كما ينبئ عن كلا هذين الكمالين قوله تعالى :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١].
وإنما رتب صلىاللهعليهوسلم الجزاء المذكور وهو : إعتاق أربعة أنفس من ولد إسماعيل على القول المذكور عشر مرات ؛ لأن العشرة هي العدد الكمال ، كما قال تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦].
وسرّ العدد هو أن الجزاء المذكور مكتوب في اللوح المحفوظ الذي هو المرتبة
__________________
(١) قال سيدي محمد وفا في الشعائر : الإحاطة هي تكثير الواحد بالتجلي في هيئات متنوعة ، كالماء ينعقد بردا.
وحقيقة الإحاطة أن يكون المحيط بالذات محاط به بالشخص في العين ، وفي المعنى أن يكون المحيط بالعلم محاط به بالمعلوم الأول بالوجود والاستغراق ، والثاني بالشهود والاستهلاك.