وأيضا فإن حلول الشفاعة للداعي المذكور ؛ إشارة إلى زيادة تعلّقها به ، وفرط اتصالها ، إذ لا شك أن الأسباب الموجبة للمسبب إنما من بين قوية وضعيفة ، ثم سر التحريض على الدعاء المذكور من باب الغيرة الإلهية ، فإنه صلىاللهعليهوسلم وإن كان معدن جميع الكمالات ، ومنبع جملة الفيوض والكرامات إلا أن الأمة من حيث وقوفهم في موقف التفصيل لتلك الجملة الشريفة ؛ كان لهم حكم مخصوص من الله تعالى.
وإليه يشير أن السلطان إنما يجلس في السرير في ابتداء السلطنة باتفاق الرعية وإجلاسهم ، وإن كان هو آمرا لهم ، وناهيا ، ومتصرّفا ، وحاكما.
فالأفضلية من وجه لا ينافي المفضولية من وجه آخر ، وعليه إطباق كبراء الصوفية ، ولله الحمد ، ولرسوله وآله وصحبه الصلاة والسّلام.
وفي الحديث : إشارة إلى أن الدعاء يستجاب عند الأذان ؛ لأنه ينفتح أبواب الملكوت عنده ، ويفرّ الشيطان منه ، ويجذّ النفس إلى الرحمن ، وتخصيص الدعاء بالأذان لما فيه من الشهادتين ، ورفع لذكر النبي كما قال تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح : ٤] ، فكان أنسب أن يطلب له الدرجة الرفيعة في الآخرة أيضا ، فهو في الدنيا أرفع كل رفيع من حيث الكمال ، وفي الآخرة أعلى كل علي من حيث المقام والحال ، فله صورة العلو ومعناه على التمام.
ولذا كان شجرة طوبى محمدية المقام ، منه انقسمت الكمالات في الدنيا ، ومنه
__________________
ـ سائر ولده تكريما له ، فيقال له : أبو محمد ، ووردت أحاديث في أهل الفترة : أنهم يمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار.
قال بعضهم : والظن فيهم كلهم أن يطيعوا عند الامتحان لتقربهم عينه ، وورد أن درجات الجنة بعدد أي القرآن ، أو أنه يقال لصاحبه : اقرأ وارق ، فآخر منزلة عند آخر آية يقرؤها ، ولم يرد في سائر الكتب مثل ذلك ، ويخرج من هذا خصيصة أخرى ، وهو أنه لا يقرأ في الجنة إلا كتابه ، ولا يتكلم أحد في الجنة إلا بلسانه ، وفي تفسير ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال : أنه بلغه أن المقام المحمود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم القيامة يكون بين الجنان وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع. وانظر : مرشد المحتار لابن طولون الدمشقي (ص ٢٤٧) بتحقيقنا.