ثمّ إنّ حكم الشارع في تلك الأخبار بالتخيير في تكافؤ الخبرين لا يدلّ على كون حجّية الأخبار من باب السببيّة بتوهّم أنّه لو لا ذلك لأوجب التوقّف ؛ لقوّة احتمال أن يكون التخيير حكما ظاهريّا عمليّا (٢٨٢٣) في مورد التوقّف ، لا حكما واقعيّا ناشئا من تزاحم الواجبين ، بل الأخبار المشتملة (٢٨٢٤) على الترجيحات وتعليلاتها أصدق شاهد على ما استظهرناه من كون حجّية الأخبار من باب الطريقيّة ، بل هو أمر واضح. ومراد من جعلها من باب السببيّة (*) عدم إناطتها بالظنّ الشخصي ، كما يظهر من صاحب المعالم رحمهالله في تقرير دليل الانسداد.
ثمّ المحكيّ عن جماعة بل قيل إنّه ممّا لا خلاف فيه : أنّ التعادل إن وقع للمجتهد في عمل نفسه كان مخيّرا في عمل نفسه. وإن وقع للمفتي لأجل الإفتاء فحكمه أن يخيّر المستفتي ، فيتخيّر في العمل كالمفتي. ووجه الأوّل واضح.
وأمّا وجه الثاني ، فلأنّ نصب الشارع للأمارات وطريقيّتها يشمل المجتهد والمقلّد ، إلّا أنّ المقلّد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلّة من حيث تشخيص
______________________________________________________
التهذيب : هو مذهب الجمهور. وفي استبصار الشيخ : «إذا ورد الخبران المتعارضان ، وليس بين الطائفة إجماع على صحّة أحد الخبرين ولا على إبطال الآخر ، فكأنّه إجماع على صحّة الخبرين ، وإذا كان إجماعا على صحّتهما كان العمل بهما جائزا سائغا» انتهى. ومثله عن العدّة. وأنت خبير بأنّ هذه الكلمات الظاهرة في دعوى الإجماع ، مع تسليم عدم كونها حجّة مستقلّة في المقام كما يظهر من بعضهم ، فلا أقلّ من كونها مرجّحة لأخبار التخيير.
٢٨٢٣. ثابتا على خلاف الأصل ، لما تقدّم من أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين المعتبرين من باب الطريقيّة هو التوقّف ، بمعنى الحكم بتساقطهما والرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما.
٢٨٢٤. مضافا إلى أدلّة اعتبار الأخبار.
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «السببيّة» ، الأسباب.