والأمارة المانعة إن كانت واجبة العمل تعيّن العمل بها لسلامتها عن معارضة الاخرى ، فهي بوجودها تمنع وجوب العمل بتلك ، وتلك لا تمنع وجوب العمل بهذه ، لا بوجودها (٢٨١٣) ولا بوجوبها (٢٨١٤) ، فافهم. والغرض من هذا التطويل حسم مادّة الشبهة التي توهّمها بعضهم : من أنّ القدر المتيقّن من أدلّة الأمارات التي ليس لها عموم لفظيّ هو حجّيتها مع الخلوّ عن المعارض.
وحيث اتّضح عدم الفرق في المقام بين كون أدلّة الأمارات من العمومات أو من قبيل الإجماع ، فنقول : إنّ الحكم بوجوب الأخذ بأحد المتعارضين في الجملة (٢٨١٥) وعدم تساقطهما ليس لأجل شمول العموم اللفظي لأحدهما على البدل من حيث هذا المفهوم المنتزع ؛ لأنّ ذلك غير ممكن ، كما تقدّم وجهه في بيان الشبهة ، وإنّما هو حكم عقلي يحكم به العقل بعد ملاحظة وجوب كلّ منهما فى حدّ نفسه بحيث لو أمكن الجمع بينهما وجب كلاهما ، لبقاء المصلحة فى كلّ منهما ، غاية الأمر أنّه يفوته إحدى المصلحتين ويدرك الأخرى.
ولكن ، لمّا كان امتثال التكليف بالعمل بكلّ منهما كسائر التكاليف الشرعيّة والعرفيّة مشروطا بالقدرة ، والمفروض أنّ كلا منهما مقدور في حال ترك الآخر وغير مقدور مع إيجاد الآخر ، فكلّ منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه ويتعيّن فعله ، ومع إيجاد الآخر يجوز تركه و
______________________________________________________
للتعارض في مقام العمل ، لأنّه ناش من وجوب العمل بكلّ منهما ، إذ لو لا وجوب العمل بهما بمقتضى أدلّة اعتبارهما لم يبق مقتض للتمانع والتزاحم في مقام العمل.
وإلى هذا أو سابقه أشار المصنّف رحمهالله بقوله : «إذ لا نعني بالمتعارضين إلّا ما كان كذلك ...» ، لأنّ محلّ الكلام إنّما هو في تعارض خبرين كانت مزاحمة كلّ منهما للآخر بمرتبة مزاحمة الآخر له ، لا ما كان أحدهما حاكما على الآخر كالأصل والدليل ، لخروج ذلك من موضوع التعارض كما تقدّم في صدر المبحث.
٢٨١٣. حتّى يكون حاكما أو واردا.
٢٨١٤. حتّى يكون معارضا.
٢٨١٥. أعمّ من أن يكون على وجه التخيير أو التوقّف والرجوع إلى الأصل الموافق.