المفاهيم الكلّية التي تعلّق بها الأحكام الشرعيّة لا دليل على اعتباره ، وأنّ دليل الانسداد إنّما يعذر الجاهل فيما انسد فيه باب العلم لفقد الأدلّة المنصوبة من الشارع أو إجمال ما وجد منها ، ولا يعذر الجاهل بالامتثال من غير هذه الجهة ؛ فإنّ المعذور فيه هو الظنّ بأنّ قبلة العراق ما بين المشرق والمغرب ، أمّا الظنّ بوقوع الصلاة إليه فلا يعذر فيه.
فظهر اندفاع توهّم أنّه إذا بني على الامتثال الظنّي للأحكام الواقعيّة فلا يجدي إحراز العلم بانطباق الخارج على المفهوم ؛ لأنّ الامتثال يرجع بالأخرة إلى الامتثال الظنّي ؛ حيث إنّ الظانّ بكون القبلة ما بين المشرق والمغرب امتثاله للتكاليف الواقعيّة ظنّي ، علم بما بين المشرق والمغرب أو ظنّ. وحاصله : أنّ حجّية الظنّ في تعيين الحكم بمعنى معذوريّة الشخص مع المخالفة لا تستلزم حجّيته في الانطباق بمعنى معذوريّته لو لم يكن الخارج منطبقا على ذلك الذي عيّن ؛ وإلّا لكان الإذن في العمل بالظنّ في بعض شروط الصلاة أو أجزائها يوجب جوازه في سائرها ، وهو بديهي البطلان. فعلم أنّ قياس الظنّ بالامور الخارجيّة على المسائل الاصوليّة واللغويّة واستلزامه الظنّ بالامتثال قياس مع الفارق ؛ لأنّ جميع هذه يرجع إلى شيء واحد هو الظنّ بتعيين الحكم.
ثمّ من المعلوم عدم جريان دليل الانسداد في نفس الامور الخارجيّة ؛ لأنّها غير منوطة بأدلّة وأمارات مضبوطة حتّى يدّعى طروّ الانسداد فيها في هذا الزمان ، فيجري دليل الانسداد في أنفسها ؛ لأنّ مرجعها ليس إلى الشرع ولا إلى مرجع آخر منضبط.
نعم ، قد يوجد في الامور الخارجيّة ما لا يبعد إجراء نظير دليل الانسداد فيه ، كما في موضوع الضرر الذي انيط به أحكام كثيرة من جواز التيمّم والافطار وغيرهما ، فيقال : إنّ باب العلم بالضرر منسدّ غالبا ؛ إذ لا يعلم غالبا إلّا بعد تحقّقه ، وإجراء أصالة عدمه في تلك الموارد يوجب المحذور وهو الوقوع في الضرر غالبا ، فتعيّن إناطة الحكم فيه بالظنّ. هذا إذا انيط الحكم بنفس الضرر وأمّا إذا انيط بموضوع الخوف فلا حاجة إلى ذلك ، بل يشمل حينئذ الشكّ أيضا. ويمكن أن يجري مثل ذلك في مثل العدالة والنسب وشبههما من الموضوعات التي يلزم من إجراء الاصول فيها مع عدم العلم الوقوع في مخالفة الواقع كثيرا ، فافهم.