ثمّ نقول : إنّ في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة يعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة ، والكاشف عن ذلك ظنّا هي الأمارات الموهومة الاعتبار ، فنعمل بتلك الأمارات ، ثمّ نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالإجماع المركّب ؛ حيث إنّ أحدا لم يفرّق بين الشهرة المعارضة للخبر الحسن بالعموم والخصوص وبين غير المعارض له ، بل بالأولويّة ، كما عرفت.
أقول : الإنصاف أنّ التعميم بهذا الطريق أضعف من التخصيص (٩١٨) بمظنون الاعتبار ؛ لأنّ هذا المعمّم قد جمع ضعف القولين ؛ حيث اعترف بأنّ مقتضى القاعدة ـ لو لا عدم الكفاية ـ الاقتصار على مظنون الاعتبار ، وقد عرفت أنّه لا دليل على اعتبار مطلق الظنّ بالاعتبار إلّا إذا ثبت جواز العمل بمطلق الظنّ عند انسداد باب العلم.
وأمّا ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية ، ففيه أوّلا : أنّه مبنيّ على زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين ، وليس كذلك (٩١٩) ، بل الأمارات الظنّية ـ من الشهرة وما دلّ على اعتبار قول الثقة ، مضافا إلى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الروايات وفي تشخيص أحوال الرواة ـ توجب الظنّ القويّ بحجّية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد ، والخبر الموثّق ، والضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية ، ومن المعلوم كفاية ذلك وعدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الأمارات إلى الاصول.
وثانيا : أنّ العلم الاجمالي الذي ادّعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار ، ومن المعلوم أنّ العمل بها لأجل ذلك لا يوجب التعدّي إلى ما ليس فيه هذه العلّة ، أعني مشكوكات الاعتبار الغير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار ؛ فإنّ العلم الإجمالي
______________________________________________________
٩١٨. يعني : من القول بالترجيح بالظنّ بالاعتبار.
٩١٩. لا يذهب عليك أنّ ما ذكره هنا مناف لما ذكره فيما أورده على القول بالترجيح بالظنّ بالاعتبار ، من منع وجود أمارة تفيد الظنّ باعتبار أمارة على الإطلاق ، فتدبّر.