إنّ اللازم على هذا أوّلا هو الاقتصار على المتيقّن من الظنون. وهل يلحق به كلّ ما قام المتيقّن على اعتباره؟ وجهان : أقواهما العدم كما تقدّم ؛ إذ بناء على هذا التقرير لا نسلّم كشف العقل بواسطة مقدّمات الانسداد إلّا عن اعتبار الظنّ في الجملة في الفروع دون الاصول ، والظنّ بحجّية الأمارة الفلانيّة ظنّ بالمسألة الاصوليّة. نعم ، مقتضى تقرير الدليل على وجه حكومة العقل أنّه لا فرق بين تعلّق الظنّ بالحكم الفرعي أو بحجّية طريق.
ثمّ إن كان القدر المتيقّن كافيا في الفقه ـ بمعنى أنّه لا يلزم من العمل بالاصول في مجاريها المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات ـ فهو ، وإلّا فالواجب الأخذ بما هو المتيقّن من الأمارات الباقية الثابتة بالنسبة إلى غيرها ، فإن كفى في الفقه بالمعنى الذي ذكرنا فهو وإلّا فيؤخذ بما هو المتيقّن بالنسبة ، وهكذا.
ثمّ لو فرضنا عدم القدر المتيقّن بين الأمارات أو عدم كفاية ما هو (*) المتيقّن مطلقا أو بالنسبة : فإن لم يكن على شيء منها أمارة فاللازم الأخذ بالكلّ ؛ لبطلان التخيير بالإجماع وبطلان طرح الكلّ بالفرض وفقد المرجّح ، فتعيّن الجمع. وإن قام على بعضها أمارة : فإن كانت أمارة واحدة ـ كما إذا قامت الشهرة على حجّية جملة
______________________________________________________
هو الأخذ بمظنون الاعتبار لا محالة.
وهذا وارد على باقي الأقسام أيضا سوى القسم السادس ، أعني : صورة وجود المتيقّن الاعتبار بين الأمارات القائمة ، إذ لا ريب في وجوب الأخذ به في تعيين المتّبع من الظنون. نعم ، يرد عليه عدم وجود المتيقّن الحقيقي بين الأمارات القائمة ، إذ المشهور ـ كما أشرنا إليه في الحواشي السابقة ، وأشار إليه المصنّف رحمهالله ـ أيضا عدم جواز العمل بالظنّ في الاصول. ومن هنا يمكن أن يقال : إنّ الحكم هنا بوجوب الأخذ بالمتيقّن من الظنون القائمة ، والحكم فيما تقدّم بأنّ المتيقّن من مقدّمات دليل الانسداد حجّية الظنّ في الفروع دون الأصول ، لا يخلو من تناف.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : القدر.