لا دليل على ترجيح صلاة واحدة في مكان إلى جهة مظنونة على الصلاة المكرّرة في مكان مشتبه الجهة ، بل بناء العقلاء في إطاعاتهم العرفيّة على ترجيح العلم الإجمالي على الظنّ التفصيلي.
وبالجملة : فعدم جواز الاحتياط مع التمكّن من تحصيل الظنّ ممّا لم يقم له وجه ، فإن كان ولا بدّ من إثبات العمل بالظنّ فهو بعد تجويز الاحتياط والاعتراف برجحانه وكونه مستحبّا ، بل لا يبعد ترجيح الاحتياط على تحصيل الظنّ الخاصّ الذي قام الدليل عليه بالخصوص ، فتأمّل (٧٧١). نعم ، الاحتياط مع التمكّن من العلم التفصيلي في العبادات ممّا انعقد الإجماع ظاهرا على عدم جوازه ، كما أشرنا إليه في أوّل الرسالة في مسألة اعتبار العلم الإجمالي وأنّه كالتفصيلي من جميع الجهات أم لا ، فراجع.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ القائل بانسداد باب العلم وانحصار المناص في مطلق الظنّ ليس له أن يتأمّل في صحّة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد إذا أخذ بالاحتياط ؛ لأنّه لم يبطل عند انسداد باب العلم إلّا وجوب الاحتياط لا جوازه أو رجحانه ، فالأخذ بالظنّ وترك الاحتياط عنده (٧٧٢) من باب الترخيص ودفع العسر والحرج لا من باب العزيمة.
وثالثا : سلّمنا تقديم الامتثال التفصيلي ولو كان ظنّيا على الإجمالي ولو كان علميّا ، لكنّ الجمع ممكن بين (٧٧٣) تحصيل الظنّ في المسألة ومعرفة الوجه ظنّا والقصد إليه على وجه الاعتقاد الظنّي ، والعمل على الاحتياط. مثلا : إذا حصل الظنّ بوجوب القصر في ذهاب أربعة فراسخ ، فيأتي بالقصر بالنيّة الظنّية الوجوبيّة ويأتي بالإتمام بقصد القربة احتياطا أو بقصد الندب ، وكذلك إذا حصل الظنّ بعدم وجوب
______________________________________________________
٧٧١. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع ترجيح الاحتياط على العمل بالظنّ الخاصّ فيما توقّف الاحتياط في العبادة على تكرار العبادة. وقد أشار إليه في مقصد حجّية القطع ، وأوضحنا الكلام فيه وفيما يتعلّق بالمقام فيما علّقناه بكلامه هناك.
٧٧٢. أي : عند الأخذ بالظنّ.
٧٧٣. حاصله : دعوى إمكان الجمع بين الاحتياط في العمل والعمل بالظنّ.