الراجعة إلى دعوى عدم الحاجة إلى أخبار الآحاد ، بل المناسب حينئذ الجواب : بأنّ عدم المعوّل في أكثر المسائل لا يوجب فتح باب العمل بخبر الواحد.
والحاصل أنّ ظاهر السؤال والجواب المذكورين التسالم والتصالح على أنّه لو فرض الحاجة إلى أخبار الآحاد ـ لعدم المعوّل في أكثر الفقه ـ لزم العمل عليها وإن لم يقم عليه دليل بالخصوص ؛ فإنّ نفس الحاجة إليها هي أعظم دليل ، بناء على عدم جواز طرح الأحكام ؛ ومن هنا ذكر السيّد صدر الدين في شرح الوافية : أنّ السيّد قد اصطلح بهذا الكلام مع المتأخّرين.
ومنهم : الشيخ قدس سرّة في العدّة حيث إنّه بعد دعوى الإجماع على حجّية أخبار الآحاد قال ما حاصله : أنّه لو ادّعى أحد أنّ (*) عمل الإماميّة بهذه الأخبار كان لأجل قرائن انضمّت إليها ، كان معوّلا على ما يعلم من الضرورة خلافه ، ثمّ قال : ومن قال : إنّي متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل ، يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به. وهذا حدّ يرغب أهل العلم عنه ، ومن صار إليه لا يحسن مكالمته ، لأنّه يكون معوّلا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه (١٨) ، انتهى. ولعمري أنّه يكفي (٧٠٣) مثل هذا الكلام من الشيخ في قطع توهّم جواز الرجوع إلى البراءة عند فرض فقد العلم والظنّ الخاصّ في أكثر الأحكام.
______________________________________________________
السيّد أظهر في الدلالة على المطلوب من كلام الشيخ كما ستعرفه.
٧٠٣. في دلالة كلام الشيخ على المدّعى ـ من كون المخالفة الكثيرة بنفسها مانعة من الرجوع إلى أصالة البراءة ـ نظر ، لأنّه كما يحتمل أن يكون مراده دعوى الضرورة على بطلان العمل بأصالة البراءة في الأحكام المجهولة لأجل كثرتها ، وكون ذلك في نفسه ممنوعا منه بحسب الشرع ، كذلك يحتمل أن يكون مقصوده دعوى الضرورة على بطلان ترك العمل بأخبار الآحاد ، بزعم كون معلوميّة اعتبارها عند المسلمين بالغة حدّ الضرورة. فيرجع حاصل كلامه حينئذ إلى أنّ من اقتصر على
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : دعوى.