نعم ، متابعة الأمارة المفيدة للظنّ بذلك الضرر وجعل مؤدّاها حكم الشارع والالتزام به والتديّن به ، ربّما كان ضرره أعظم من الضرر المظنون ؛ فإنّ العقل مستقلّ بقبحه ووجود المفسدة فيه واستحقاق العقاب عليه ؛ لأنّه تشريع ، لكن هذا لا يختصّ بما علم إلغاؤه ، بل هو جار في كلّ ما لم يعلم اعتباره.
توضيحه : أنّا قدّمنا لك في تأسيس الأصل في العمل بالمظنّة : أنّ كلّ ظنّ لم يقم على اعتباره دليل قطعي ـ سواء قام دليل على عدم اعتباره أم لا ـ فالعمل به بمعنى التديّن بمؤدّاه وجعله حكما شرعيّا ، تشريع محرّم دلّ على حرمته الأدلّة الأربعة. وأمّا العمل به بمعنى إتيان ما ظنّ وجوبه مثلا أو ترك ما ظنّ حرمته من دون أن يتشرّع بذلك ، فلا قبح فيه إذا لم يدلّ دليل من الاصول والقواعد المعتبرة يقينا على خلاف مؤدّى هذا الظنّ ، بأن يدلّ على تحريم ما ظنّ وجوبه أو وجوب ما ظنّ تحريمه.
فإن أراد أنّ الأمارات التي يقطع بعدم حجّيتها ـ كالقياس وشبهه ـ يكون في العمل بها بمعنى التديّن بمؤدّاها وجعله حكما شرعيّا ضرر أعظم من الضرر المظنون ، فلا اختصاص لهذا الضرر بتلك الظنون ؛ لأنّ كلّ ظنّ لم يقم على اعتباره قاطع يكون في العمل به بذلك المعنى هذا الضرر العظيم أعني التشريع.
وإن أراد ثبوت الضرر في العمل بها بمعنى إتيان ما ظنّ وجوبه حذرا من الوقوع في مضرّة ترك الواجب وترك ما ظنّ حرمته لذلك كما يقتضيه قاعدة دفع
______________________________________________________
إذا انسدّ باب العلم في مسألة فلا ريب في عدم ارتفاع الحكم الشرعيّ واقعا أو ظاهرا عن موردها. وحينئذ إمّا أن يجب الاحتياط والفرض عدمه ، أو يرجع فيها إلى أصالة البراءة أو الاستصحاب ، ولا دليل عليهما ، لعدم إفادتهما الظنّ في مقابل خبر الفاسق مثلا المفروض إفادته للظنّ بالواقع ، لعدم إمكان حصول الظنّ بطرفي المسألة ، فلا مناص حينئذ من العمل بالظنّ الحاصل من خبر الفاسق. ودعوى المصنّف رحمهالله كون ذلك خلاف مذهب الشيعة مبنيّة على استظهار كون مذهبهم في مثل المقام هو الرجوع إلى الاصول الجارية بحسب الموارد. وسيجيء تفصيل الكلام في ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى.