لكذبه فيه فهو غير قادح ؛ لأنّ ظاهر قوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) تحقّق الفسق قبل النبأ لا به ، فالمفهوم يدلّ على قبول خبر من ليس فاسقا مع قطع النظر عن هذا النبأ واحتمال فسقه به. هذه جملة ممّا أوردوه على ظاهر الآية ، وقد عرفت أنّ الوارد منها إيرادان ، والعمدة الايراد الأوّل (٤٦٦) الذي أورده جماعة من القدماء والمتأخّرين.
______________________________________________________
تنبيه : اعلم أنّ الآية على تقدير تماميّة دلالتها بالمفهوم ـ شرطا أو وصفا ـ على اعتبار خبر العدل إنّما تدلّ على اعتبار خبر العدل الواقعي ، لأنّ العدالة من الألفاظ الموضوعة للمعاني الواقعيّة ، فلا بدّ حينئذ في إحراز عدالة الراوي إمّا من العلم أو البيّنة أو الاختبار الحاصل بالصحبة المؤكّدة أو الشياع الذي قام الإجماع على اعتباره في باب العدالة ، ولا يكفي مطلق الظنّ بها. ولا ريب في تعذّر إثبات عدالة رجال سند واحد بأحد الوجوه المذكورة ، إذ غاية ما يمكن من دعوى ذلك إنّما هو في مثل الشيخ والمفيد والصدوق والكليني وأضرابهم ، ولا ريب في اشتمال أسناد الأخبار على غيرهم أيضا ممّن استترت حالهم عنّا. ولو سلّم ذلك في بعض الأخبار فلا ريب في عدم تأتّيه في أكثرها. وما يظهر من صاحب المعالم من اشتراط تزكية السند بعدلين ، مع دعوى وفاء ذلك بأغلب أبواب الفقه ، ممّا لا يصغى إليه.
فإن قلت : إذا ثبت اشتراط العدالة الواقعيّة ، وانسدّ طريق العلم إليها وجدانا وشرعا ، فلا بدّ من اعتبار الظنّ بها ، فالآية مع دليل الانسداد تثبت المطلوب.
قلت : هذا إنّما يتمّ لو ثبت بقاء التكليف بإحراز العدالة الواقعيّة عند انسداد باب العلم بها ، ولم يثبت ، إذ كما يحتمل ذلك عند الانسداد كذلك يحتمل كون التكليف حينئذ بالعمل بمطلق الظنّ بالأحكام الواقعيّة ، سواء حصل من خبر مظنون العدالة أم من خبر الفاسق أم الشهرة أم غيرها. ويحتمل أيضا تعلّق التكليف بالعمل بالأخبار الموثوقة بالصدور.
٤٦٦. لأنّ الإيراد الثاني يمكن دفعه بما تقدّم من المصنّف رحمهالله عند بيانه.