مماتهم ، فكانت مساكن بلا سكان ، وقوالب بلا قلوب ، وصورا بلا معان ، وخيالات بلا حقائق ، فلعنة الله على الظالمين الذين وضعوا الأشياء في غير مواضعها ، وخرجوا عن الحكمة إلى حدّ العبث.
وقد قال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥].
يعني : إنا خلقنا بالحق للحق ، فمن كان ؛ فليكن ما صنعه بالحق ، وإلا كان من اللاعبين ، كما قال تعالى : (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) [الأنبياء : ٥٥] ، ولمّا سمعه الشبلي قدسسره ترك الدور ، والرقص مع قوة حاله خوفا أن يكون من اللاعبين.
ثم إن قوله : (قومه) يشير إلى أن أحدا لا يستخفّ إلا إذا كان من أهله ، ومن جنسه ، فالشقي يستخفّ الشقي لا السعيد ، فإن الله مع السعيد ، والله لا يأمر بالفحشاء.
ألا ترى أن الشيطان استخفّ قابيل ، وبرصيصا ، وبلعم ونحوهم ؛ فأطاعوه فيما أمر به ، فقتل قابيل أخاه هابيل ، وأرتدّ برصيصا ، وبلعم عن دينه ، ولم يقدر على إضلال المتقين لقوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١].
وهو أحد التأويلات في قوله : «إذا أحبّ الله عبدا ؛ لم يضرّه ذنب ؛ لأنه لا ذنب من حيث الحفظ ، والعصمة فلا ضرر» (١) ، وعلى تقدير صدور الذنب ، فالله يحب التوّابين.
فالمحبوب لا يكون مذنبا إلا على خطأ وتأويل ، ولا يصرّ على ذنبه ، وإلا لم يكن محبوبا ، فعلى العاقل أن يسعى ، ويجتهد حتى لا يكون من حزب الشيطان ؛ فإنهم الخاسرون ؛ بل يكون من حزب الله ؛ فإنهم المفلحون ، ونسأل الله الالتحاق بالصالحين في أعمالهم ، وأحوالهم إلى أن يأتي اليقين.
__________________
(١) رواه الحكيم الترمذي في النوادر (٢ / ٣٤٩) ، وأبو نعيم في الحلية (٤ / ٣١٨) بنحوه.