__________________
ـ وقد حكى بقى بن مخلد عن عائشة أنه صلىاللهعليهوسلم كان يبصر ويرى في الظلمة ، كما يبصر ويرى في الضوء ، وهذا أخرجه عنها البيهقي ، وابن عدي ، وابن عساكر ، وإسناده ضعيف.
وأخرج البيهقي أيضا في الدلائل عن ابن عباس قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء ، وهو أيضا ضعيف ضعّفه غير واحد ، لكنه حسن بشواهده ، وما اشتهر من خبر لا أعلم ما وراء جداري.
قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه في فيض القدير في الكلام على حديث : «أتموا الصفوف» لا أصل له.
قال في الفيض ويعرض وروده : فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا باطلاعه تعالى. انتهى وراجع ما تقدّم في هذا الخبر ، والله الهادي والمرشد بمنّه.
وأخرج أحمد والشيخان والترمذي وقال : حسن صحيح ، والنسائي ، وأبو عوانة ، وابن حبان في صحيحه عن جابر مرفوعا قال : سمعت النّبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «لمّا كذّبني قريش قمت في الحجر ، فجلّي الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه».
وفي هذا انكشاف الأشياء له صلىاللهعليهوسلم عند التوجه والالتفات إليها بحقائقها وأحوالها ومتعلقاتها ، ونظره بعين البصر والبصيرة إليها بحيث لا يغيب عن نظره شيء منها ، وهذا واقع لغيره من أولياء الله تعالى ، فكيف به صلىاللهعليهوسلم الذي كل نوال من نواله ، وكل خير وفضل في العالمين منه ، ومن أياديه وأفضاله.
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والحميدي والبخاري في مواضع منها علامات النبوة ، ومسلم في الفتن ، والعدني ، وابن حماد في الفتن ، وأبو عوانة ، والحاكم في المستدرك ، عن أسامة بن زيد ، قال : أشرف النبي صلىاللهعليهوسلم على أطم من آطام المدينة فقال : «هل ترون ما أرى إنّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر». وفي رواية : «إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كموقع القطر».
وفي أخرى : «إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر».
فائدة : يجوز رؤية الشىء وسماعه قبل وجوده للأنبياء والأولياء.
قلت : وبهذا الحديث ونحوه استدلّ الصوفية على جواز ، بل وقوع رؤية الشيء وسماعه قبل وجوده للأنبياء والأولياء ، بناء على ما هو المتبادر من هذا الحديث أنها رؤية بصرية ، وقضايا الأولياء في رؤيتهم بل وسماعهم للأشياء قبل وجودها لا تنحصر كثرة ، ومن ثم أطبقوا على رؤيته تعالى ، وسمعه للمعدوم الممكن الذي علم أنه سيوجد مخالفين في ذلك للمتكلمين في قولهم : إن السمع والبصر إنما يتعلقان بالموجودات ، والمراد بها كل ما له تحقق في الخارج فقط ، ولا يتعلقان بالمعدوم ممكنا كان أو مستحيلا.