__________________
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)[التكاثر : ٤ ، ٣ ، ١ ، ٢].
الأول : إشارة إلى عذاب القبر ، وتعلمون. الثاني : إشارة إلى عذاب يوم القيامة.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أتدرون فيمن أنزلت هذه الآية؟ فإن له معيشة ضنكا ، ونحشره يوم القيامة أعمى ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هي عذاب الكافر في القبر ، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا ، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية ، لكل حية تسعة أرؤس تنفخ في جسمه ، وتخدشه إلى يوم القيامة ، ويحشر في قبره إلى الموقف أعمى».
وروى الحافظ الوائلي رحمهالله عن ابن عمر قال : فبينما نحن نسير بجبانة بدر إذ خرج رجل من الأرض في عنقه سلسلة يمسك طرفها أسود فقال : يا عبد الله اسقني ، فقال ابن عمر : لا أدري أعرف اسمي ، أو كما يقول الإنسان لأخيه : يا عبد الله ، فقال لي بعض من معي : لا تسقه فإنه كافر ، ثم اجتذبه فدخل الأرض ، قال ابن عمر : فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته ، فقال : «أو قد رأيته ذاك عدو الله أبو جهل بن هشام ، وهو عذابه إلى يوم القيامة» انتهى.
فتحصل مما سبق أن النعيم لا يكون إلا دائما ، وأما العذاب إما أن يكون دائما أيضا وهو عذاب الكفار وبعض العصاة ، أو منقطعا وهو لبعض العصاة.
ولذلك قال العلّامة الدردير في خريدته : العذاب قسمان : إما دائم وهو للكفار ولبعض العصاة ، أو منقطع وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمه ، وانقطاعه إما بسبب كصدقة أو دعاء ، أو بلا سبب بل بمجرد العفو والتعذيب للروح مع البدن ، ولو لم يقبر فالتعبير بالقبر جزى على الغالب.
قال العلّامة المذكور : إذ لا مانع من أن يخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو بعضها نوعا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب ولذة النعيم ، وهذا لا يستلزم أن يتحرك أو يضطرب أو يرى أثر العذاب عليه ، حتى إن من أكلته السباع أو صلب في الهواء يعذّب ، وإن لم نطلع على ذلك انتهى.
وقال في محلّ آخر : ومن عذاب القبر ضغطته ، وهي التقاء حافتيه حتى تختلف أضلاع الميت وتختلف باختلاف العمل حتى إن الصالح تضمه ضمة الأم الشفوقة على ولدها انتهى.
ويرتفع العذاب عن سائر الخلق ليلة الجمعة ولو كفارا ، ثم يعود على الصحيح.
قال العلّامة النفراوي : وقيل : إنه بعد ارتفاعه عن المؤمن ليلة الجمعة لا يعود أبدا ، قال : وحينئذ من مات قبل الجمعة بيوم لا يكون عذابه إلا يوما ، وبه قال بعضهم انتهى.
قلت : وهو مردود بما أفاده الإمام السيوطي حيث قال في شفاء الصدور : إن عدم العود لا دليل عليه ، فلم يرد في هذا حديث صحيح ولا حسن.
قلت : وما قاله الإمام السيوطي فهو في غاية الظهور ؛ لما تقدم لك من حديث البخاري ومسلم السابق